محمود معوض

عاشت مصر زمن جمال عبدالناصر ثم زمن أنور السادات واليوم تعيش مصر زمن محمد مرسي

الذي شاءت الأقدار أن يكون هو الخليفة للزعيم جمال عبدالناصر بعد أن غابت الزعامة المصرية علي مدي أربعين عاما, عاشت مصر خلالها في مستنقع الفساد والفقر والمهانة والقمع في ظل الحداثة المزعومة للمستبدين التي لم تنتج سوي نخبة حاكمة, تبين أنها لا تستطيع العيش إلا في ظل الفساد والتضليل.


التاريخ سوف يكتب أنه في عصر يوم الأحد الفاصل الموافق12 أغسطس عام2012 نجح محمد مرسي الرئيس المدني في تغيير الحاكم العسكري بطريقة حضارية وسلمية, لتجني الثورة الثمرة الثانية بعد ثمرة اسقاط مبارك وسيقول التاريخ ان مرسي الذي صنع من الضعف قوة هو الذي قام بتسليم المسئولية إلي جيل جديد من العسكر عاش هو الآخر مهمشا لعقود طويلة, والتاريخ سيكتب أن مرسي استعاد مصداقية القوات المسلحة وحافظ علي مكانة الجيش المتميزة داخل المجتمع المصري. التاريخ سيكتب أن الرئيس مرسي لم يقم فقط بالغاء وصاية المؤسسة العسكرية علي مدنية الدولة, وانما وضع اللبنة الأولي في بناء الثقة التي يمكن أن تحقق شراكة حقيقية في مصر لأول مرة بين القوة العسكرية المتفرغة للمهمة المقدسة وهي حماية الوطن وبين الحكم الديمقراطي المدني الرشيد. فقد حجز مرسي لنفسه مقدما مكانا داخل مقر وزارة الدفاع التي تمتلئ جدرانها بصور زعماء مصر السابقين وفي كل العصور. التاريخ سيكتب أن مرسي الرئيس الاسلامي الإخواني هو الذي ارسل مقاتلات عسكرية لإبادة الإسلاميين المتشددين الذين يشكلون تحديا للسيادة المصرية في سيناء وهي المرة الأولي الذي يستخدم فيها سلاح الجو المصري في سيناء منذ حرب أكتوبر. ولأول مرة وفي زمن محمد مرسي تسقط فزاعة الإخوان التي استخدمها رؤساء الجمهورية لتكريس الاستبداد والفساد.. والحقيقة أن مرسي قد أثبت أنه لا يمثل الجماعة وانما يمثل جموع الشعب مسيحييه قبل مسلميه, ولو عدنا للوراء قليلا لوجدنا أن محمد مرسي لم يسع للمنصب ولم يخطط له وأنه قبل المهمة باعتبارها واجبا ساقته اليه الاقدار.. محمد مرسي كان المرشح الاستبن للإخوان الذي جلس علي دكة الاحتياطي بضعة أيام في انتظار تقرير مصير ترشيح فتي الأحلام خيرت الشاطر.


ولو كان المستشار محمود مكي نائب الرئيس قد قبل ترشيح الإخوان له رئيسا ما كان محمد مرسي رئيسا.. الرجل الوحيد الذي وضع يده علي مفتاح شخصية محمد مرسي هو الدكتور كمال الغنوشي الذي قال عقب استقالته من الجماعة إن مرسي يتميز عن قادة الإخوان بأنه ثوري الهوي, التاريخ سيكتب أن ما فعله مرسي لا يدخل في التصنيف التاريخي علي أنه نموذج مكرر لحوادث الصراع علي السلطة كما حدث في67 حينما اطاح عبدالناصر بـ عبدالحكيم عامر ورجاله, وما قام به السادات في مايو71 عندما أطاح بمن سماهم مراكز القوي.. مرسي لم يخض يوما معركة واحدة في حياته ولم يكن شيئا مذكورا في نظام الحكم الذي تحكمه الدولة العميقة حتي يخوض صراعا مع آخرين من ورثة السلطة أو من هم في الحكم, وحتي نظرية أفلاطون لم يضعها مرسي في اعتباره وهو يبادر بالتغيير تلك النظرية التي تقول: إن من يرفض أن يحكم سوف ينتهي به المطاف بأن يحكمه من هو أسوأ منه, لا أعتقد أن رجلا دخل دائرة المصلحين الكبار في التاريخ العربي والإسلامي يمكن أن يلجأ إلي نظرية افتراس الخصم في الغداء قبل أن يفترسه هو في العشاء. والحقيقة أن اقالة المشير طنطاوي والفريق عنان لم تكن انقلابا.. ربما كانت لمنع انقلاب طبقا لبعض الروايات التي تفتقد الحيثيات.. المهم أنها لم تكن سيطرة أو هيمنة إسلامية صعدت علي انقاض وحطام الليبرالية.. نحن نعيش التاريخ.. فالسياسة لن تعود مثلما كانت هي الوسيلة للسطو علي موارد الشعب.. لدينا رئيس ليس منشغلا باعتقال الناس وانما بالافراج عن الناس. رئيس يؤمن بأن الحق في حاجة إلي قوة.. ويجب علي القوة ان تسدد ضريبة الزكاة.. وزكاة القوة هي منع الفساد علي الأرض, لدينا رئيس أخذ علي عاتقه التعهد بتغيير البلد وبعد أن أصبح كامل الأوصاف وكامل الصلاحيات فقد حانت ساعة الحساب للرئيس, ولابد أن يصدر الرئيس قرارا بالغاء المادة القانونية التي تجرم اهانة الرئيس, فالمنصب الكبير لا يحتاج إلي حصانة, وطموحاتنا في الرئيس تدعونا إلي مطالبته بالسعي الحثيث بأن يعمل ومن اليوم علي أن يتحول منصب رئيس الجمهورية إلي منصب طارد بما يحمله من مسئوليات وحساب بل واضطهاد واهانة.


مرسي بأفعاله يقطع الألسنة دون الحاجة إلي استخدام المقص الذي كان يستخدمه نظام مبارك ضد كل من تسول له نفسه أن يعترض علي سياسته.. مرسي ليس في حاجة إلي الاعلام ليرفع من شعبيته التي تضاعفت بفضل الاعلام الرخيص.. وآخر الاخبار تقول إن مليونية اسقاط الرئيس مرسي قد انطفأت بعد أن تبرأ منها الداعون لها, وفي مقدمتهم مصطفي بكري الذي أعلن انه لن يشارك في هذه المليونية بل واختلف مع زعيم المليونية محمد أبوحامد الذي أدلي بتصريحات مؤسفة فضت الناس من حوله عندما قال إن اهرامات الجيزة أقدس من المسجد الأقصي.
gt; يمكن أن يلتمس العذر إلي حد ما للعاهل السعودي عندما أهمل وضع الرئيس مرسي في البروتوكول اللائق في قمة مكة الأخيرة. ففي الوقت الذي حرص فيه خادم الحرمين الشريفين علي أن يكون أمير قطر علي يمينه ورئيس إيران علي يساره ترك الرئيس المصري في الصفوف الخلفية. فقد كان صعبا علي الملك السعودي أن يحتفي بالرجل الذي جاء إلي مكة بعد أن أطاح بصديقه الصدوق المشير طنطاوي الذي كان يتقبل الاهانات لكنه دائما ما يقول إلا السعودية فهي خط أحمر.. مرسي محطم البروتوكولات ـ لم يهتم لكنه بادر بتقديم مبادرة مصرية لوقف نزيف دماء الشعب السوري.. وهنا أترك التعليق للكاتب الصحفي العربي النزيه عبدالباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربية الممنوعة من دخول مصر أيام مبارك.. قال عبدالباري عطوان نصا: إن الخلل الاستراتيجي الذي جمد المنطقة طوال الأربعين عاما بسبب غياب مصر بدأ يتآكل تدريجيا وبسرعة.. من كان يتصور أن يفرض الرئيس المصري الجديد تعديلا بل تجميدا لاتفاق كامب ديفيد.. من كان يحلم بأن تتحرك مصر الجديدة لطرح مبادرة اقليمية خلاقة لحل الأزمة السورية بعد فشل الجميع.
وقال عبدالباري عطوان نصا: المارد المصري بدأ يخرج من القمقم بقوة وثقة ويستعيد زمام المبادرة والزعامة معا مؤسسا لمشروع عربي جديد يملأ الفراغ ويكون ندا للمشاريع الأخري غير العربية.. ولا نملك إلا أن نصلي من أجله.