صالح القلاب

أعادت عملية سيناء الأخيرة، بملابساتها وتطوراتها وبما ترتب عليها من توتر في العلاقات بين غزة ومصر، تسليط الأضواء على حقيقة ما هو قائم الآن بين حركة المقاومة الإسلامية laquo;حماسraquo; ودمشق، وبينها وبين إيران بعدما استدعت الأحداث المتصاعدة في سوريا أن يتخذ رئيس هذه الحركة خالد مشعل موقفا مغايرا ومخالفا لكل مواقفه السابقة عنوانه التخلي عن laquo;فسطاط المقاومة والممانعةraquo; والرحيل عن العاصمة السورية والانتقال إلى الدوحة وإيقاف تردده على طهران بعدما بادرت إلى إغلاق أبوابها في وجهه في أعقاب امتداحه في مؤتمر كان قد انعقد هناك للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وبسبب استبدال مواقفه السابقة إن تجاه سوريا وإن تجاه إيران بمواقف جديدة أكثر قربا للمحور العربي الذي يساند ويدعم المعارضة السورية.

وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هناك في laquo;حماسraquo; نفسها انقساما واضحا، لم يعد بالإمكان إنكاره، بين ما يسمى laquo;الداخلraquo; وعنوانه رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية ومعه محمود الزهار، على الرغم مما بين هذين الاثنين من تنافس وتعارض وخصومات تنظيمية وسياسية كثيرة، وما يسمى laquo;الخارجraquo; ممثلا برئيس المكتب السياسي خالد مشعل ومعه من الداخل القائد العسكري لقوات laquo;القسامraquo; أحمد الجعبري الذي يقال: إنه الأقوى والأوسع نفوذا في هذه الحركة التي باتت تقف على مفترق طرق في ضوء كل هذه المتغيرات التي شهدتها مصر والتي تشهدها سوريا والتي من المنتظر أن تشهدها أيضا بعض دول الإطار الإقليمي ومن بينها جمهورية إيران الإسلامية.

تعود أسباب هذا الانقسام الفعلية إلى أن قادة تنظيم laquo;حماسraquo; في غزة باتوا، وبخاصة بعد انقلابهم على السلطة الفلسطينية في عام 2007 وانفرادهم بالحكم في القطاع، لا يطيقون استعلاء خالد مشعل عليهم، ولا يستسيغون سعيه المتواصل لأن يكون ياسر عرفات (أبو عمار) آخر إن بالنسبة لحركتهم وإن بالنسبة للحالة الفلسطينية كلها، وهذا في حقيقة الأمر تجلى في أنهم بقوا يحاولون إبعاده عن مجريات مفاوضات ما يسمى laquo;المصالحة الوطنيةraquo; التي بقيت تتنقل بين الكثير من عواصم المنطقة، لكنها بقيت تراوح مكانها ولم تتقدم ولو خطوة واحدة.

ولعل ما أضعف خالد مشعل في هذا الصراع المحتدم - الذي يعتبر بالنسبة إليه ولتطلعاته بأن يكون ياسر عرفات (أبو عمار) آخر في المسيرة الفلسطينية الطويلة، صراع حياة أو موت - أنه باختياره، عندما تقلصت مساحة الخيارات أمامه في ضوء الاصطفافات والتحولات العربية والإقليمية التي استدعتها الأزمة السورية، للمحور العربي المساند والمؤيد للمعارضة السورية قد خسر سوريا كموقع وكنظام مساند له ولكتلته التنظيمية داخل حركة المقاومة الإسلامية laquo;حماسraquo;، وخسر أيضا إيران التي لولا دعمها له ولحركته بالأموال والسلاح وبالمواقف السياسية منذ بدايات ثمانينات القرن الماضي، عندما كان محمد حسن أختري وكيلا للإمام الخميني وسفيرا للجمهورية الإيرانية في دمشق، ما احتلت الحركة موقع التنظيم الثاني في الحالة الفلسطينية.

لقد حاول خالد مشعل أن يتجنب خيار الفرز، إما مع النظام السوري ومع إيران ومع حزب الله وحسن نصر الله ومع هذا التحالف الذي كان ولا يزال يتخذ اسم laquo;فسطاط المقاومة والممانعةraquo; وإما مع المعارضة السورية ومع قطر، باتخاذ مواقف رمادية وزئبقية في البدايات، لكنه بعد اشتداد عملية التمايز واستفحال هذه الأزمة التي كان يعتقد أنها عابرة وآنية اضطر لإدارة الظهر إلى حلفائه السابقين مع محافظته على عدم قطع الخيط نهائيا لا مع دمشق ولا مع طهران، ولذلك فقد بقي يتخذ موقفا مواربا ضمن له بقاء مندوبه المتنقل بين العاصمة السورية وبيروت، كما ضمن له أيضا عدم إغلاق السلطات السورية لمكاتبه ومكاتب حركته حركة المقاومة الإسلامية في سوريا.

لم يستطع خالد مشعل تقليد حافظ الأسد، الذي في ذروة صراع معظم الدول العربية، ومن ضمنها الدول الخليجية، مع إيران استطاع أن يضع رجلا هنا ورجلا هناك، واستطاع أن يقنع هؤلاء وأولئك على حد سواء أنهم كلهم بحاجته، ولعل ما من الممكن اعتباره laquo;غلطةraquo; العمر أن مشعل - ومن دون تقدير العواقب - قد بادر في مؤتمر كان قد انعقد في طهران، ومن قبيل إغاظة إسماعيل هنية ومحمود الزهار وأيضا نائبه موسى أبو مرزوق، إلى امتداح محمود عباس (أبو مازن) ووصفه بالمناضل والقائد الكبير، فكان هذا هو النقطة الفاصلة بينه وبين الإيرانيين، وبخاصة الولي الفقيه علي خامنئي.

بعد ذلك اتخذ تركيز الولي الفقيه علي خامنئي على إسماعيل هنية طابع استبعاد خالد مشعل نهائيا، واعتماد رئيس وزراء حكومة غزة المقالة على أنه فرس رهان تحالف laquo;المقاومة والممانعةraquo; وتم وقف كل المخصصات التي كانت تحول لحساب رئيس المكتب السياسي شخصيا مقابل تخصيص خمسة عشر مليون دولار شهريا إلى هنية الذي طلب الإيرانيون منه ألا تتم المصالحة الفلسطينية مع حركة laquo;فتحraquo;، وألا يتخذ موقفا قاطعا إلى جانب المعارضة السورية وأن يواصل، إما مباشرة وإما باستخدام الفصائل الصغيرة، عمليات التسخين والتوتير مع الإسرائيليين حتى وإن هو بقي يحرص على عدم استدراج حرب جديدة إلى laquo;القطاعraquo; كحرب عام 2008 الشهيرة.

وهكذا، فإن ما يؤكد أن انضباط إسماعيل هنية وحكومته المقالة وبالتالي تيار laquo;حماسraquo; في الداخل المناهض لتيار خالد مشعل في الخارج بالانحياز إلى إيران والتمسك بخط الولي الفقيه علي خامنئي والانصياع لتعليماته أن محمود الزهار قد وجه إلى المجموعة laquo;الإخوانيةraquo; التي تحكم الآن في مصر انتقادات لاذعة بالنسبة للإجراءات التي بادر إليها الرئيس المصري الجديد بعد عملية سيناء الأخيرة والمتعلقة بإغلاق معبر رفح وردم الأنفاق بين غزة والعريش وكل هذا مع أن laquo;حماسraquo; كانت قد أعادت تبعيتها لـlaquo;إخوانraquo; مصر بعدما فكت علاقتها بما يسمى تنظيم بلاد الشام وأن وزير الداخلية في هذه الحكومة المقالة فتحي حماد قد ذهب إلى ما هو أبعد عندما قال في مقابلة صحافية: laquo;أتمنى على محمد مرسي، رئيس مصر الثورة، أن يتخذ قرارا بفتح معبر رفح بشكل فوري.. وما ذنب غزة أن يتم التضييق عليها وفي الوقت ذاته تفتح معابركم مع الاحتلال.. فإن لم تكن فلسطين بين أعينكم فعليكم تعديل البورصة والمسارraquo;.

في كل الأحوال وبالعودة إلى الموضوع الأساسي الذي هو علاقات laquo;حماسraquo; مع نظام بشار الأسد وهل أن رحيلها عن دمشق هو نهائي فإنه لا بد من أخذ ما قاله نائب رئيس المكتب السياسي لهذه الحركة موسى أبو مرزوق في إطار حديث مطول لصحيفة أردنية: laquo;إن سوريا ستظل محور المقاومة الأساسي في مواجهة المشروع الصهيوني، القضية الفلسطينية ستبقى قضيتها الأم حتى لو تغير النظام أو بقيraquo; فهذا يؤكد أن قادة هذه الحركة كلهم، من منهم في الداخل مع إسماعيل هنية ومن منهم في الخارج مع خالد مشعل، لا تزال قلوبهم وعقولهم في العاصمة السورية وفي العاصمة الإيرانية هناك عند الولي الفقيه وهنا عند بشار الأسد، بينما أقدامهم فقط في الدوحة، وفي أنقرة، وفي العاصمة المصرية.

إن ما يؤكد هذه الحقيقة أنه لم يصدر لا عن خالد مشعل ولا عن إسماعيل هنية حتى الآن ما يمكن اعتباره إدانة واضحة أو اتهاما مباشرا للنظام السوري بالنسبة لاغتيال أحد قادة laquo;حماسraquo; العسكريين الأساسيين، والمقصود هو كمال غناجه، قبل بضعة شهور في المنزل الذي كان يختفي فيه في إحدى ضواحي دمشق، كما أن ما يؤكد هذه الحقيقة أيضا هو أن مكاتب هذه الحركة في العاصمة السورية لا تزال على ما كانت عليه، مع أن بعض القادة الذين كانوا يشغلونها قد انتقلوا للإقامة في تركيا وبصورة مؤقتة، وأن الاتصال بين كبار المسؤولين في حركة المقاومة الإسلامية ونظام بشار الأسد لم ينقطع، وأن مسؤول الارتباط بين الجانبين لا يزال في موقعه، ودائم التنقل بين بيروت ودمشق.