فيصل جلول

يرى جنرال فرنسي متخصص في الشؤون الاستراتيجية أن الحل الوحيد للتدخل العسكري في سوريا، وتوجيه ضربة قاصمة إلى نظام الرئيس بشار الأسد، يكمن في تنفيذ عملية عسكرية وقائية قوامها تدمير مراكز القيادة والاتصال ومدارج انطلاق الطائرات الحربية والمروحية وتحطيم الرادارات، الأمر الذي من شأنه أن يشل قدرات الجيش السوري ويتيح إسقاط النظام . وعن الخسائر التي يمكن أن يتكبدها الطرف المهاجم، يقول الجنرال الذي رفض الإفصاح عن اسمه لصحيفة ldquo;لو كنار أونشينيهrdquo; في عددها ما قبل الأخير، إن الغرب لن يخسر رجلاً واحداً أو طائرة واحدة، لأن القصف يمكن أن يتم عبر صواريخ تنطلق من الغواصات والبوارج الحربية، ولكنه يستدرك قائلاً، إن الطرف الوحيد القادر على تنفيذ هذه العملية هو الولايات المتحدة ولا آخر غيرها . يسقط هذا الكلام على سجال فرنسي فرنسي عقيم بين السلطة والمعارضة في باريس، حيث ترى المعارضة أن ساركوزي أفضل من هولاند لأنه قاتل في ليبيا، وكان له فضل المبادرة، في حين يتردد هولاند ويجعل الوقت الثمين يمر بسرعة، الأمر الذي يفيد الحكومة السورية . وتزداد اللهجة اليمينية حدة ضد اليسار الحاكم عندما تتفرغ فرنسا طوال فترة رئاستها لمجلس الأمن، للاهتمام بالشؤون الإنسانية، في حين كان يتوجب عليها الإفادة من هذه الفرصة لتشديد الضغط على الأسد .

بالمقابل لم يجرؤ اليسار بعد، على كشف خلفية التدخل العسكري في ليبيا مصدر فخر الرئيس الفرنسي السابق، فقد تبيّن من تفاصيل الهجوم أنه لولا الولايات المتحدة ما كان أحد بمقدوره تدمير ترسانة العقيد الراحل معمر القذافي خلال أيام قليلة، وأن ما فعله الفرنسيون والبريطانيون لا يتعدى كونه عمليات جزئية لملاحقة ما تبقى من الوحدات العسكرية الليبية المكشوفة، وذلك أيضاً بذخيرة أمريكية ودعم لوجستي أمريكي .

وإذا كانت الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد المؤهل تقنياً لخوض حرب خارجية، وإذا كانت تمتنع عن التدخل لأسباب اقتصادية وانتخابية وجيواستراتيجية، فضلاً عن الخسائر التي يمكن أن تتأتّى عن ذلك، وإذا كانت قد حصرت مهمتها في الملف السوري بتدريب المعارضين ودعمهم في تركيا، فإن الرهان على ضغوط أو تهديدات عسكرية أوروبية، يصبح غير ذي جدوى، لأن أوروبا ما برحت نمراً من ورق في المجال العسكري، وبالتالي ليس بوسعها خوض حرب ناجحة في سوريا، ما يعني أن هجوم التيارات اليمينية المعارضة على فرانسوا هولاند، هي من باب المزايدات المحكومة بالسقف السياسي الفرنسي الداخلي .

ولسوء حظ اليمين، فإن هذا السجال يتزامن مع استجوابات لقيادات الأركان في الجمعية الوطنية عن كتاب أبيض جديد بشأن الدفاع، إذ كشفت صحيفة ldquo;لا تريبيونrdquo; قبل يومين، أن جنرالات الدفاع يجمعون على عجز فرنسا العسكري عن إرسال 30 ألف جندي إلى الخارج في مهمة عسكرية تقتضيها المصالح الفرنسية العليا أو مصالح الحلفاء . ويعود هذا العجز بنظر المعنيين، إلى قدم طائرات الوقود والبنى التحتية، والنقص المتواصل في موزانات الدفاع .

يفصح ما سبق عن أن أوروبا ومعها فرنسا، عاجزة عن التدخل العسكري المنفرد في سوريا، وأن الولايات المتحدة ليست مستعجلة للانجرار نحو حل عسكري وسط أزمة البرنامج النووي الإيراني والمخاطر التي ينطوي عليها هذا الملف المرشح بدوره للاشتعال والتسبب بحرائق لا حصر لها . تبقى الإشارة إلى أن معظم التيارات السياسية السورية ترفض التدخل العسكري الأجنبي، وبعضها صرح بأنه سيقاتل المحتل إن تجرأ على انتهاك السيادة السورية .

هل يفضي ما سبق إلى القول باستعصاء الحل العسكري في سوريا، واستعصاء الحل السياسي التوافقي أيضاً الذي يطرحه الروس والصينيون، والذي يستدرج رفضاً قاطعاً من الغرب والمعارضة السورية المسلحة؟

الواضح أن الاستعصاء السياسي كما الاستعصاء العسكري لحل الأزمة السورية، يحيل الأوضاع في هذا البلد إلى مسرح للاحتراب الأهلي بين السوريين من جهة، واختبارٍ للقوة من جهة أخرى، بين القوى الدولية والإقليمية من الصعب التحكم بمفاعليه وتداعياته إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، والملف النووي الإيراني وتطورات ما سمي بالربيع العربي .

إن الخاسر الأكبر في هذا الصراع هو سوريا الدولة والموقع والمكانة الإقليمية وفي المقام الثاني العالم العربي الذي فشل من قبل، وها هو يفشل اليوم في السيطرة على الأزمات التي تندلع في أجزاء منه، وفي إيجاد الحلول الملائمة لها .

يبقى الفشل المعلن للأمم المتحدة التي بيّنت وتبين مرة أخرى في الملف السوري، أنها ليست جديرة بالاحترام عندما تضعف أو تتخلى عن دورها في إيجاد حل عادل لأزمة داخلية في بلد مؤسس للجمعية العامة بعد الحرب العالمية الثانية ومن أبرز الناشطين فيها .