حامد الحمود

نهاية نظام أم انحدار نحو حرب أهلية؟ ضرورة التفاوض مع قيادات علوية جديدة في سوريا تحديات الرئاسة ومستقبل مصر كم نفطاً سنحرق لتبريد بيوتنا؟ العودة إلى الماضي في laquo;البستانraquo; مزيد من المقالات صرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، وذلك بعد اختطاف المواطن عصام الحوطي في لبنان بامتعاض، بأن laquo;قلة من الكويتيين استجابت للتحذيرات ورفض الكثيرون العودةraquo;، ولأني ضمن هؤلاء الكويتيين الذين لم يستجيبوا للتحذيرات، وسافر مع عائلته إلى لبنان خلال عطلة العيد، أود أولاً أن أشيد باهتمام الوزارة وجهودها في المحافظة على سلامة الكويتيين. كما أقدر أن السفر إلى أماكن محفوفة بالمخاطر لا يعرّض سلامة المواطنين للخطر فقط، وإنما يضع الدولة، ووزارة الخارجية بالذات، تحت ضغوطات داخلية وخارجية، ويسبب أزمات نحن جميعاً في غنى عنها. لكن وإن كنت لست بمتحدث رسمي عن هؤلاء laquo;الكثيرينraquo; من الكويتيين الذين لم يستجيبوا، ربما من المناسب أن تستمع أو تعرف وجهات نظرهم. فمن معرفتي بهؤلاء laquo;الكثيرينraquo; أكاد أجزم أنهم لا يودون أن يلقوا بأنفسهم في التهلكة، لكن أغلبهم يحمل قراءة مختلفة للوضع الأمني والسياسي في لبنان.

هؤلاء laquo;الكثيرونraquo; يرون مثلاً أن التحذيرات الكويتية لا تأتي عادة من قراءة موضوعية للوضع السياسي في لبنان، وإنما تأتي كنوع من التضامن مع تحذيرات من مصادر خليجية. وكانت التحذيرات الكويتية الأخيرة قد عقبت تحذيرات سعودية وقطرية وبحرينية. هذا، ومع الاعتراف بأن لبنان ليس بالبلد الأكثر أماناً على وجه الأرض، لكن هؤلاء laquo;الكثيرينraquo; يرون أن هناك مبالغة بتقدير الخطر، ومن يعرف لبنان بصورة جيدة، لا يسعه إلا أن يتفهم وجهة النظر هذه. فلبنان، وعلى مدى عقود عديدة، لم يشهد استقراراً سياسياً أو أمنياً كاملاً، وإن عانى من حروب كثيرة، فهو ليس على شفا حرب أخرى. فالقوى السياسية الرئيسية، وبالرغم من اختلافاتها، فإنها متفقة على عدم تفجير الوضع السياسي. فهناك مثلاً نوع من الالتزام بين هذه القوى بألا تمتد الحرب في سوريا إلى الأراضي اللبنانية. ولعل ما يؤكد أن الوضع في لبنان أفضل بكثير مما تراه أو تقدره الدول الخليجية، أن الولايات المتحدة لم تدعُ مواطنيها إلى مغادرة لبنان، أو الامتناع عن السفر إليه، ووزارة الخارجية الأميركية لها عيون وحسابات وتوقعات تبني عليها قراراتها. والكويتيون الذين قابلتهم في لبنان خلال عطلة العيد الأخيرة، لا يعيشون القلق أو الخوف الذي يتطلب منهم البعض أن يعيشوه. رأيتهم مرتاحين بحالهم، مفضلين لبنان، غير المستقر، على رتابة الحياة في الكويت، ومختارين المشي في قرى جبلية، على التجوال في مجمعات تجارية في دبي. وهناك دائماً ما هو جديد وجميل في لبنان هذا الصغير الكبير. ومع معرفتي التي أصبحت تاريخية بهذا البلد، هناك دائماً فرصة لرؤية ما هو جديد وجميل.

ففي ثاني يوم العيد، قبلنا دعوة من صديق للغداء في مدينة صغبين، التي تقع على الجهة الغربية من بحيرة القرعون. وكان الطريق لهذا المكان الذي اختاره صديقنا عبر نبع الباروك، ثم معاصر الشوف إلى أرز الباروك، أجمل ما في هذه الرحلة. فتوقفنا لأكثر من ساعة في محمية أرز الباروك، وتجولنا في هذه الغابة المهيبة، بين أشجار تقدّر أعمارها بآلاف السنين. كان بودّي أن أبقى لساعات، وربما لأيام في هذه المحمية، لكن هذا يحتاج إلى وقت لم نقتنه. لكن صورة هذه الأشجار التي تمكنت من اختراق الزمان والمكان تبقى أبدية في ذاكرتي. نغادر المحمية، متوجهين إلى قمة الجبل، لننحدر بعدها نحو البقاع. نتوقف بعد دقائق لنمعن النظر، في بحيرة القرعون من ارتفاع يبلغ نحو 2000 متر. ذكّرتني شدة الانحدار وسمو المنظر بالجراند كانيون في ولاية أريزونا في الولايات المتحدة. فكنا أشبه ما يكون بشرفة كبيرة مطلة على حديقة هائلة، هي وادي البقاع في وسطه بحيرة القرعون.

وصلنا إلى صغبين نحو الثالثة بعد الظهر. المطعم على مرتفع مطل على البحيرة، ولم نكن بعيدين عن مصب نهر الليطاني في البحيرة. ننظر نحو الشرق، فنشاهد جبل الشيخ يظهر في الأفق، وسلسلة جبال تمتد إلى سوريا. وهل نستطيع هذه الأيام أن نتجنب الحديث عن الحرب التي تجري في سوريا، فالمأساة السورية حاضرة في لبنان. فبالإضافة إلى نحو مليون عامل سوري في لبنان، هناك عشرات الآلاف من اللاجئين. بعضهم في مخيمات وآخرون لدى أقاربهم. والأفضل حالاً وحظاً من السوريين، استأجر في أماكن يعرفها الكويتيون جيداً. فهم في بحمدون وحمانا وفالوغا والشبانية. شاهدتهم في هذه المدن، قلقين مكسورين. لا يعرفون متى سيعودون إلى بيوتهم، وإلى أي تاريخ تسمح مدخراتهم بالعيش بهذا الرخاء النسبي.