عادل النيل

يبدو أن الاستهتار بالقيادات السياسية والتطاول عليها سمة عربية بامتياز رغم مظاهر التقدير التقليدية في مجتمعاتنا لكبارنا, ولكن في الإطار السياسي تتم استباحة ذلك التقدير الى حد الوقاحة خاصة في ظل التبرير الديمقراطي لذلك السلوك القبيح, وذلك ما حدث في كثير من الحالات التي يضيق المقام على حصرها, من مساس بالذوات الملكية أو الرئاسية تحت شعارات حرية التعبير والحق في النقد رغم انتفاء الموضوعية وعدم التقدير السليم لمقتضيات الأمن الوطني والاجتماعي التي تمنع في كثير من الحالات الدخول في تفاصيل السلوك السياسي للقيادات السياسية حتى لو أخطأت, فهي غير معصومة.
لا يمكن للديمقراطية أن تؤدي الى نتائج كارثية من

سوء الفهم لحريات التعبير والإعلام والنقد والتناول العميق للمجريات السياسية, وحين يحدث ذلك فإن هناك, من دون شك, خطأ في فهم هذا النظام السياسي كمجموعة قيم ينبغي احترامها ومعرفة حدودها, وما حدث في مصر من نتاج للممارسة الديمقراطية وتولي الرئيس محمد مرسي منصب رئاسة الجمهورية ينبغي أن يحترم ولو اختلف نصف المصريون عليه, فهو نتاج عملية ديمقراطية نزيهة ومنطقية, وليس من الديمقراطية أن يبادر معارضوه من الليبراليين وكارهي الإسلاميين الى محاكمته منذ أول شهر له في الحكم والتطاول عليه بل والإساءة اليه, فذلك ليس حرية تعبير وإنما خيانة تعبير.


عدد من الإعلاميين المصريين درجوا على نشر معلومات مغلوطة عن الرئيس والتعدي عليه بألفاظ يعاقب عليها القانون, وذلك فيما يبدو عمل منهجي ضد الرئيس والأخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وكل ما هو إسلامي في مصر, وقبل الثورة لم يجرؤ كثير من هؤلاء عن الصدح بحقهم في حرية التعبير أو المطالبة بها أو مس الرئاسة بكلمة حق, وقد يعذرون بالنظر الى الديكتاتورية التي كانت تمارسها أجهزة أمن الدولة ووزارة الداخلية وكل الأجهزة التنفيذية التي تعفنت بالسلوك الشمولي وغير الديمقراطي فيما كان هؤلاء إما ينافقون أو صامتين.
ليس من الحكمة أن يتعاطى الإعلاميون المصريون مع رئاستهم بهذا النموذج النقدي غير الموضوعي والانتهازي الذي يستفيد من الديمقراطية بالقدر الذي يجعله يعمل على انهيار احترام السلطة السياسية والنيل منها على حساب كرامة الوطن والرئيس باعتباره رمز سيادة الدولة, وليس السؤال: لمصلحة من يفعلون ذلك? حتى لا ندخل في نطاق نظرية المؤامرة والعمالة, ولكن هل هي السذاجة الفكرية والسياسية والإعلامية التي لا تعرف المعنى الحقيقي للديمقراطية? ربما, فكثير من هؤلاء مع عدم احترامهم للنتيجة الديمقراطية التي تحققت يجدون صعوبة في إدراك سوء فعلهم وسلوكهم تجاه الرئيس الإسلامي الذي يلبي أشواق ملايين المصريين الذين لم يجدوا في النظام السابق ما يسد رمقهم الفكري والاجتماعي والديني, وبدلا من مناصرة حقهم في اختيارهم واحترامه يظهر ثلة من المنافقين والوصوليين من ذوي الشبهات الفكرية للنيل من رئيس الدولة وإهانته.


وفي تقديري أنه من سوء الأدب أن نقرأ أو نسمع حديثا مقززا كذلك الذي قاله المخرج السينمائي خالد يوسف من إنه quot;لولا عبد الناصر كان زمان مرسي بيجري ورا الحمارة في البلد لحد دلوقتيquot; وأضاف quot;لو تركنا الإخوان يفعلون ما يحلو لهم, سيفعلون بنا نفس ما فعله هتلر في العالمquot; وفي الحقيقة ليست هناك أي مقاربة بين الأخوان والمدعو هتلر إلا في الخيال المريض هذا, فالأخوان اكتووا أكثر من غيرهم بالممارسات السياسية للدولة المصرية منذ عبد الناصر وحتى آخر يوم لنظام مبارك, وطالما انتخبهم الشعب فهم أصحاب اليد العليا في تنفيذ برامجهم السياسية باعتبارها خيار الشعب وليست القلة المعارضة أو التي لم تنتخبهم.
الوقت لا يزال مبكرا للحكم على أداء الأخوان والرئيس مرسي, والمبادرة الى التخويف من سياساتهم والتعريض بهم وذمهم وإهانة رأس الدولة تنتفي مع الديمقراطية, والتي لو أنها تسمح بمثل هذه الفوضى والحديث غير اللائق فهي غير مجدية سياسيا وتنمويا ولا تحقق تطلعات الشعب, لأنها بذلك تنتج بيئة غير متصالحة اجتماعيا وسياسيا وبالتالي إعاقة التطور الطبيعي للدولة والمجتمع, ولا يمكن لرئيس أو جهاز تنفيذي أن يعمل في هذا المستوى المتردي من التنابذ والاستخفاف والاستهتار, وفي حال لم ينكفئ أمثال هؤلاء ويتوقفوا عن الممارسة الإعلامية الانتهازية فإنهم يعرضون الدولة بأكملها لخطر الفوضى والاضطراب والانفلات وبالتالي لا يخسر الأخوان بقدر ما يخسر وطنهم وشعبهم لأنهم يقدمون أسوأ نماذج الأداء الديمقراطي, وقليل من الأدب يفيد في تجاوز مصر لواقعها الحالي وعبور نفق النظام السابق بأمان وسلام.