Joe Klein

هل سيكون رومني واقعياً مثل جورج بوش الأب الذي كان أفضل رئيس تعامل مع السياسة الخارجية منذ عهد أيزنهاور أم أنه سيسير على خطى جورج بوش الابن الذي اعتمد نزعة مثالية عشوائية ومتطرفة، ولا سيما خلال أول ولاية تعاون فيها مع ديك تشيني؟
تحدث بول راين أمام حشد من الناس خلال اجتماع دار بلدية نيوهامبشاير في الأسبوع الذي سبق المؤتمر الوطني الجمهوري فقال: ldquo;في المكان الذي نشأتُ فيه، تشير عبارة ldquo;ما وراء البحارrdquo; إلى البحيرة العليا في المنطقةrdquo;. كان هذا التصريح ينم عن دعابة تهدف إلى انتقاد الذات بطريقة طريفة، وتُعتبر هذه الصفة لطيفة دوماً عند السياسيين.
كان راين يتحدث عن مسألة جوهرية: فقد خفّضت كندا معدل الضرائب على المؤسسات إلى 15%، ومع ذلك، سرت أصداء مؤسفة غداة تصريح سارة بالين التي تحدثت عن أنّ قرب ألاسكا من روسيا يُعتبر عاملاً أساسياً في السياسة الخارجية.
سلّط ذلك التصريح الضوء على واقع مثير للاهتمام بشأن المعسكر الجمهوري في عام 2012: يتمتع راين ورومني بأقل خبرة في مجال السياسة الخارجية والأمن القومي مقارنةً بأي مسؤول آخر من الحزبين طوال الحملات الرئاسية العشر التي غطّيتُها. (في هذا الصدد، أشار مايكل كوهين في صحيفة ldquo;فورين بوليسيrdquo; إلى أنهما يتمتعان بأقل خبرة في الملفات الخارجية منذ توماس ديوي وإيرل وارين في عام 1948).
كان الحدث في نيوهامبشاير عبارة عن ظهور مشترك للمرشحَين الجمهوريين معاً وكان المشهد لافتاً: عدا ذكر ملاحظة عابرة من جانب رومني عن الحاجة إلى القوة العسكرية الأميركية، لم يذكر أي من المرشحين عبارة ldquo;السياسة الخارجيةrdquo; خلال الخطاب النهائي. كان من اللافت أيضاً ألا يذكر أي من المرشحين شيئاً عن المسائل الاجتماعية التي كانت تطغى على الانتخابات الأولية الجمهورية في اليوم الذي انتشرت فيه مسألة ldquo;الاغتصاب المشروعrdquo; المثيرة للجدل. لكنها قصة مختلفةhellip; أو قد لا تكون مختلفة جداً! عندما سُئل رومني أخيراً عن السياسة الخارجية خلال فترة الأسئلة والأجوبة، استعمل نبرة أكثر اعتدالاً مما فعل خلال الانتخابات الأولية. كانت ملاحظاته عن أفغانستان وإسرائيل وإيران نموذجية وكان انتقاده للرئيس خفيفاً. هكذا ظهر ميله إلى المواقف الوسطية سريعاً.
كان راين أكثر ميلاً إلى انتقاد أوباما وأكثر سذاجة أيضاً، فانتقد الرئيس لأنه سحب القوات العسكرية تزامناً مع احتدام موسم القتال الأفغاني، وقد بدا ذلك القرار جدياً مع أنه كان يعكس في الحقيقة قراراً استراتيجياً بعدم استعمال تكتيك يفرط في الاتكال على القوة لمكافحة التمرد في الجزء الشرقي من البلد.
كذلك، كان كلامه لاذعاً أكثر من رومني، أقله خلال ذلك اليوم، حين اتهم أوباما بالانسحاب من أفغانستان لأسباب سياسية محلية، في المقابل، بدا رومني أكثر شبهاً بالرجل الذي يترشح ضده، فقال إن الهدف من تلك الخطوة هو نقل السلطة من الجيش إلى الأفغان بأسرع وقت ممكن والحرص على ألا يستعيد الإرهابيون السيطرة على البلد كي يستعملوه كمنصة لشن الاعتداءات ضد الولايات المتحدة.
في ما يخص إسرائيل، شدد رومني على ضرورة إبقاء الخلافات القائمة مع دولة صديقة في المجالس الخاصة، في إشارةٍ إلى الخلاف العلني بين أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب توسيع المستوطنات الإسرائيلية، علماً أن الرئيس أخبرني بأنه أساء التعامل مع هذا الملف خلال سنته الأولى في الرئاسة.
في الشأن الإيراني، قال رومني إنه سعيد لأن ldquo;العقوبات الصارمةrdquo; فُرضت أخيراً، ولكنه طرح بكل وضوح أحدث فكرة عدائية يؤيدها المحافظون الجدد عن ضرورة أن يمرر الكونغرس قراراً يسمح باستعمال القوة في إيران.
أتصور أن فرع المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري سيشعر بالاستياء بسبب اعتدال التعليقات التي أدلى بها رومني في نيوهامبشاير ولأن رومني اختار الخبير الواقعي في مجال السياسة الخارجية، روبرت زوليك، لقيادة عملية البحث عن مهارات أمنية وطنية.
إنها أبرز مسألة متعلقة بالسياسة الخارجية بالنسبة إلى رومني: هل سيكون واقعياً مثل جورج بوش الأب الذي كان أفضل رئيس تعامل مع السياسة الخارجية منذ عهد أيزنهاور أم أنه سيسير على خطى جورج بوش الابن الذي اعتمد نزعة مثالية عشوائية ومتطرفة، ولا سيما خلال أول ولاية تعاون فيها مع ديك تشيني؟ بطريقةٍ ما، تجسّد نزعة المحافظين الجدد السياسة الخارجية الجمهورية التي توازي الأنظمة الاقتصادية المبنية على توفير الإمدادات.
لقد سبق أن خضعت هذه الفكرة للتجربة وفشلت، ويبدو أن الجوانب العدائية لهذه العقيدة (التي وفرت المنطق الفكري لتبرير الحرب في العراق) هي شكل من نزعة الاستعمار الجديدة والضيقة اليوم.
على صعيد آخر، أدت أفكار الربيع العربي إلى تدمير النزعة المثالية التي يدعمها المحافظون الجدد والتي كانت جزءاً من ldquo;أجندة الحريةrdquo; التي أقرها جورج بوش الابن، لكن يبدو أن واقع العالم اليوم يعارض هذا النوع من العقائد، ولا بد من تطبيق خيارَي الدبلوماسية واستعمال القوة بسلاسة ويجب أن يحصل ذلك بشكل متعدد الجوانب مع التنبه إلى تغيّر معالم العالم بوتيرة متسارعة بدل التركيز على إيديولوجيا متغطرسة.
قد يواجه رومني وأوباما تحدياً وشيكاً في مجال السياسة الخارجية في الخريف المقبل، إذ بدأت المحادثات النووية مع إيران تبلغ ذروتها بعد أن توقفت خلال شهر رمضان الماضي، فثمة اتفاق ضمني على طاولة المفاوضات: يبدو أنّ إيران بدأت تكشف عن جميع منشآتها النووية وتضع حداً للعمليات في مدينة قُم وتوافق على وقف إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب مقابل الحصول على حق تخصيب اليورانيوم لمصانع الطاقة المدنية.
إذا وافقت إيران على هذا الاتفاق، ما الذي سيفعله رومني؟ أما إذا رفضت إيران هذا الاتفاق، فما الذي سيفعله أوباما؟ ليس مستبعداً أن تصبح السياسة الخارجية محور المنافسة في شهر أكتوبر بعد أن بقيت ملفاً ثانوياً في السباق الرئاسي حتى الآن.

Time