فهمي هويدي


دُعي الخبير إلى اجتماع في مقر وزارة التعاون الدولي في القاهرة. كان موضوع الاجتماع بحث مشكلة الصيادين المعتصمين على شواطئ بحيرة مريوط، بسبب تعثر حل مشكلة laquo;بوصraquo; البحيرة الذي يهدد بقطع أرزاقهم، باعتبار أن نباتات البوص التي تغطي 75٪ من مساحة البحيرة (19 ألف فدان) تمثل عائقا لشباك الصيد، مما يصيب مهنتهم بالشلل التام. في الاجتماع قيل للخبير المدعو ولغيره من المشاركين إن تكلفة الحفارات المطلوبة لاجتثاث البوص تصل إلى 18 مليون جنيه فقط. في حين أن المبلغ المتوافر لهذا الغرض في موازنة الوزارة لا يتجاوز 5 ملايين جنيه فقط. وخشية تفاقم الوضع في ظل احتمال وصول المعتصمين إلى مقر الوزارة بالقاهرة.

كان الاقتراح المطروح من قبل مسؤولي الوزارة هو تأجير الحفارات للقيام بمهمة اجتثاث البوص خلال أسبوع، بتكلفة 2.5 مليون جنيه. أضاف أولئك المسؤولون إنه في وقت سابق تم التعاقد مع شركة laquo;المقاولون العربraquo; للتخلص من بوص البحيرة مقابل 50 مليون جنيه، إلا أن الشركة لم تستطع القيام بالمهمة بعدما تبين لها أن تكلفة المتر المربع الواحد تصل إلى 20 جنيها.

الخبير الدكتور حامد الموصلي الذي يترأس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية الذاتية كان له رأي آخر، دعا فيه إلى التفكير في الموضوع بطريقة مختلفة.

في الرسالة التي تلقيتها منه بهذا الخصوص عرض وجهة نظره على الوجه التالي: المشكلة أكبر جدا من مجرد اعتصام الصيادين. لأن منطق اجتثاث نباتات البوص يهدر قيمة البحيرة، بل ويهدد الصيادين في أرزاقهم، ذلك أن عملية الاجتثاث من شأنها أن تقضي على ما تمثله البحيرة من نسق حيوي. لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى انهيار قاعها الذي يمثل موئل تفريخ وتكاثر laquo;الزرِّيعةraquo; (الأسماك الجنينية الصغيرة)، ومن ثم يقضي على مستقبل صيد الأسماك فيها. وبدلا من القضاء على البوص لماذا لا يتم التعامل معه باعتباره موردا متجددا. بحيث يتم حصاده أولا بأول، الأمر الذي يوفر موردا متجددا لتشغيل العديد من مصانع الخشب الحبيبي في مصر. خصوصا أن تلك المصانع لا تتوافر لديها موارد المادة الخام، فتضطر إلى استيراد ألواح الخشب الحبيبي من الخارج، وتكتفي بتكسيتها بالورق المشبع بالميلامين وإعادة بيعها في السوق المصرية. وهو ما يعني تعطيل خطوط إنتاج الخشب الحبيبي بها. في حين أن بوص البحيرة يصلح إلى جانب ذلك إلى تصنيع العديد من المنتجات البيئية مثل قواعد الصحون وlaquo;أباليكraquo; الإضاءة والأباجورات... إلخ، وهو ما يمكن أن يوفر الآلاف من فرص العمل لزوجات الصيادين أيضا، وما يؤدي في نهاية المطاف إلى إحداث تصالح تنموي بين الصيادين والبحيرة. بحيث يصبح البوص صديقا للصيادين وليس خصما لهم يهدد أرزاقهم.

بالنسبة لمسألة تعويق نشر شبكات الصيد، اقترح الدكتور الموصلي تطهير ممرات محددة لتحركات الصيادين في البحيرة (وهذه يمكن أن تستخدم أيضا للحركة السياحية). أما السطح العام للبحيرة فسيتم التعامل معه كنسق حيوي، ويكتفي بالحصاد المستمر للبوص. وفي هذه الحالة يمكن إقامة laquo;أكشاكraquo; على شاطئ البحيرة لتكون منافذ لبيع منتجات البوص، للسياحة الداخلية والخارجية.

أضاف الدكتور الموصلي قائلا: عندما عدت من الاجتماع أدركت أن مشكلة الصيادين في بحيرة مريوط يمكن أن تتكرر في بقية بحيرات مصر الشمالية (البرلس والمنزلة والبردويل). وقلت إننا بحاجة لأن نقدم نموذجا قوميا لتنمية تلك البحيرات كأنساق بيئية متميزة، مع تحقيق متطلبات نشاط مجتمع الصيادين لها، بحيث تستبعد فكرة اجتثاث البوص لتستبدل بعملية الحصاد التي تعالج فقط النمو الزائد منه. علما بأنه بالإضافة إلى الحاجة للبوص لصناعة ألواح الخشب الحبيبي في المصانع القريبة (في الإسكندرية وطنطا وبنها)، فهناك حاجة ماسة إليه لصناعة السماد العضوي اللازم لصناعة السماد المطلوب لاستصلاح الأراضي في المناطق القريبة.

بعدما انفض الاجتماع الذي انعقد في منتصف شهر مايو الماضي، (قبل شهرين ونصف الشهر تقريبا)، عاد الدكتور حامد الموصلي إلى مكتبه وأعد تفاصيل مشروعه للحصاد المستدام للبوص في بحيرة مريوط كنموذج لتمويل مشكلة تعويق نباتاته للصيد إلى مشكلة تنموية. ومنذ قدم المشروع إلى وزارة التعاون الدولي فإنه لم يتلق ردا على ما قدمه. ويبدو أن مشكلة اعتصام الصيادين حول البحيرة قد تم حلها بصورة أو بأخرى، بالتالي لم يعد هناك ما يقلق المسؤولين في الوزارة.

ولم تعد هناك حاجة لتفكير آخر في الموضوع يحول المشكلة إلى فرصة تنموية. في رأيه إن الجميع صاروا مشغولين فيما يبدو بالعراك السياسي ولم يعد أحد مستعدا للتفكير الجاد في التنمية.