سمير عطا الله


انصرف الرئيس حافظ الأسد في المراحل الأولى من حكمه إلى تدليل دمشق. قرر استمالة laquo;الشوامraquo;، أهل العاصمة ومالكي مفاتيح التجارة والاقتصاد في البلد عبر التاريخ. ونجح في ذلك إلى حد بعيد، فمن والته الشام والته سوريا وولته إلى زمن.

وجاء الرئيس بشار الأسد فصرف اهتمامه إلى حلب، ومن والته حلب تمددت موالاته عبر الحدود. وصادفت ذلك مرحلة فتح أبواب العراق، فازدهرت حلب وأنوالها وأسواقها الباقية على مظاهرها الشرقية منذ أيام الأتراك. كل شيء في الأكياس المفتوحة، واللحوم معلقة أمام الأبواب يحفظها الفيء من الفساد.

قابلنا أواخر التسعينات أحد كبار تجار المدينة وأصغرهم سنا. وشرح في دكانه الصغير، البعيد عن العين، مثل كل أثرياء سوريا، كيف تزداد المدينة غنى كل يوم بسبب ضخامة سوق العراق. ومن حلب أحضر الأسد مفتيها الدكتور أحمد حسون، ليصبح مفتي الديار. وكان الرجل - حتى استفحال المحنة - مرح القلب، كريم الضيافة، وله أحلام طيبة في أمر سوريا.

في غمرة الاهتمام بالمدن الكبرى نسيت الرئاسة في سوريا أن القرار في العاصمة والشعب في الأرياف. وأهمل حافظ الأسد الريف السوري الذي جاء منه، هو وضباط الجيش. ونشأت حول المدن أحزمة ريفية غيرت معالم المدينة وأثقلت على طبيعة الاقتصاد فيها. ومع ازدياد السكان ازداد عدد المحرومين والفقراء خصوصا التاريخيين منهم، كالأكراد، الذين تقول الرحالة الشهيرة فرايا ستارك إنهم كانوا حمالي بغداد في العشرينات.

laquo;الجيش العربي السوريraquo; وlaquo;الهلال الأحمر العربي السوريraquo; وlaquo;حزب البعث العربي الاشتراكيraquo; وجميع مؤسسات الدولة أبقت الأكراد والإثنيات الأخرى على الهامش في كل شيء، خصوصا في وظائف الدولة وفرص التعليم. وما بين الأرياف والأحزمة والسوريين الإثنيين توسعت طبقة التذمر. وعندما بدأت حركة درعا ثم تمددت عبر القرى والمدن، ظل في حساب النظام أنه يملك الولاء الأكبر في دمشق وحلب. فأهل المدينتين، بعكس الباقين، لديهم ما يخسرونه من بحبوحة واستقرار وهدوء، ولا يريدون أن يفسد عليهم أحد هذه الحياة.

وهو أمر طبيعي في أي حال، لكن إلى متى كان يمكن أن يظل الشوام والحلبيون خارج ما يجري على مدى سوريا؟ لو طرح النظام على نفسه هذا السؤال - بين ألف سؤال آخر - لما وصل الجيش العربي السوري إلى وقت يتقبل فيه حماية الحرس الثوري الإيراني، على ما يعلن أهل الحرس.