صالح القلاب

المفترض أن الأخضر الإبراهيمي، السياسي والدبلوماسي المخضرم، قبل القبول بهذه المهمة الصعبة، التي كان سبقه إليها سلفه كوفي أنان وفشل فيها فشلا ذريعا، قد حدد سلفا من أين يبدأ وكيف سينتهي؟ فالأزمة السورية التي انتدب لحلها بدأت كمجرد حادث صغير كان بالإمكان تطويقه واستيعابه بسهولة، لكنها انتهت إلى ما هي عليه الآن، مشكلة دولية وإقليمية شديدة التعقيد والتداخل ويحتاج حلها إلى جمع ألف رأس على وسادة واحدة وإلى إيجاد نقطة تلاق بين كل هذه المصالح المتعارضة والمتناقضة.

وقبل أن يضع laquo;سي الأخضرraquo; قدمه في هذا المستنقع، فإن المفترض أنه درس تجربة سلفه كوفي أنان دراسة شافية ووافية، وأنه استنجد بمشورة الدول الصديقة والشقيقة التي لا تريد له، بعد كل النجاحات التي أحرزها وحققها على مدى تاريخه النضالي والسياسي الطويل، أن ينهي حياته الدبلوماسية بفشل لا يستحقه وأن يغرق في الرمال ذاتها التي غرق فيها من سبقه، وكانت النتيجة أن سارع إلى تقديم استقالته laquo;لا يلوي على شيءraquo;!! فالسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه.

والمؤكد أن الأخضر الإبراهيمي يختلف عن سلفه كوفي أنان في أنه ابن هذه المنطقة، وأنه يعرف ألاعيبها ومناوراتها، كما أنه بحكم تجربته الطويلة، إن في ثورة المليون ونصف المليون شهيد، وإن في الدولة الجزائرية التي نهضت من تحت الأنقاض بعد غياب 132 عاما، وإن في التعاطي بكفاءة ونجاح مع الكثير من القضايا العربية والدولية الشائكة، يعرف أيضا أن هؤلاء الذين بقوا يحكمون هذا البلد العربي الرئيسي منذ عام 1970 وحتى الآن لا يصدقون في وعد ولا يلتزمون بعهد، وأنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر، وأن الغاية عندهم تبرر الواسطة، وأنهم أهل laquo;تقيةraquo; لا يترددون في إدارة الظهر لأي اتفاق يلتزمون به حتى قبل أن يجف الحبر الذي كتب به.

ولهذا فإنه لا شك إطلاقا في أن الأخضر الإبراهيمي يعرف أي مهمة صعبة هذه التي هو ذاهب إليها ويعرف أن ترحيب نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد به هو كلام حق يراد به باطل، وأنه عندما يقول إن سوريا ستتعاون مع المهمة التي أوكلت إليه، فإنه في حقيقة الأمر يقصد عكس هذا، وإنه أيضا عندما يقول: إننا سنتعاون مع الإبراهيمي وبعثته كما تعاونا مع البعثة العربية ndash; الدولية، فإنه يؤكد أن الحكومة السورية ستفشل هذه المهمة كما أفشلت بعثة كوفي أنان وبعثة محمد الدابي التي انتهت إلى نهاية مأساوية كما هو معروف.

وهكذا، فإن ما يجب أن يقال للأخضر الإبراهيمي، من باب الحرص عليه وعلى تاريخه الناصع والنظيف، إن عليه ألا يثق بهذه القيادة السورية وألا يصدق كل ما تقوله، وإن عليه أن يدرك أنه عندما يقول المقداد: laquo;إن سوريا بشعبها وقائدها وحكومتها هي التي ستنتصرraquo;، فإن هذا يعني أنه لا جديد في مواقف الحكومة السورية، وأنها لا تزال تقف في المربع الأول.

إنه لا نية إطلاقا لدى ما تبقى من هذه القيادة السورية، بعدما قتل من قتل، واختفى من اختفى، وفر إلى الخارج من فر، في أن تفكر حتى مجرد تفكير بأن يبدأ الحل، الذي سيتولى الأخضر الإبراهيمي الإشراف عليه ومتابعته، بتنحي بشار الأسد أو على الأقل إبداء الاستعداد للتنحي والمغادرة. ولهذا، فإنه غير الجائز أن يبدأ رجل، بكل هذا التاريخ المشرف، وبكل هذه النجاحات التي حققها، مهمته بالرهان على الأوهام وبأن بإمكان المبعوث الجديد أن يأتي بما لم تستطعه الأوائل ما دام الرئيس السوري لا يزال لم يستوعب مستجدات الأزمة السورية، ولا يزال لم يدرك أن التغيير الجذري والشامل من قمة الهرم وحتى قاعدته بات هو الحل الذي لا بديل له.

سيحاول أصحاب هذا النظام السوري أن يدخلوا المبعوث العربي والدولي الجديد في الحلقة المفرغة التي كانوا أدخلوا فيها سلفه وسيحاولون أن ينهكوه في الجدل البيزنطي الذي أنهكوا به laquo;المبعوثraquo; السابق، ولهذا فإن المفترض أن يتجاوز الأخضر الإبراهيمي خطة كوفي أنان لأنها غدت وراء الأحداث التي استجدت في سوريا خلال الشهور الأخيرة، وأن يأخذ من بين بنودها الستة، هذا إذا أراد أن يأخذ بشيء منها، البند الذي يتضمن مطالبة الحكومة السورية بالوقف الفوري للتحركات العسكرية نحو التجمعات السكنية وإنهاء استخدام الأسلحة الثقيلة وسحب القوات المسلحة إلى مواقعها السابقة بعيدا عن المدن والمناطق المأهولة. وكل هذا على أن يتبعه فورا البدء بمفاوضات جادة يجب أن تستند إلى نص واضح وإلى مهلة زمنية محددة على تنحي بشار الأسد لتكون هناك مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات ديمقراطية بإشراف دولي يستطيع الشعب السوري من خلالها أن يقرر مصيره بنفسه، وأن يختار نظام الحكم الذي يريده.

لا ضرورة إطلاقا لأن يدخل الأخضر الإبراهيمي نفسه في اللعبة العقيمة التي أوصلت كوفي أنان إلى النهاية المأساوية التي انتهت إليها مهمته. فإقناع روسيا بتغيير الموقف الذي بقيت تتمسك به وبقيت تصر عليه منذ بداية هذه الأزمة، التي بدأت بحجم كرة صغيرة وأصبحت بحجم جبل قاسيون وبحجم الجبل laquo;الأقرعraquo; معا، وحتى الآن يعتبر من سابع المستحيلات ما دام الوضع على الأرض لم يحسم عسكريا، وما دامت موسكو لم تتأكد باليقين القاطع من أن الرهان على بقاء بشار الأسد بات بمثابة رهان على حصان خاسر وبعد هذا، ما لم يتم التوصل سلفا إلى نقطة يلتقي عندها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الولايات المتحدة ورؤساء الدول الغربية المعنية.

سيضيع المبعوث العربي والدولي الجديد وقته إن هو أشغل نفسه بتنقلات مكوكية، كالتي كان كوفي أنان أشغل نفسه بها، بين موسكو وطهران ودمشق، فالأمور بعد تجربة سلفه المريرة غدت واضحة وضوح الشمس، وقد بات في حكم المؤكد أن هذه العواصم الثلاث المتآخية والمتضامنة والمتكاتفة لا تريد من كل هذه الوساطات الدولية إلا عامل الوقت والمزيد من الوقت، وحقيقة أنه لولا العامل الروسي والعامل الإيراني لكانت الأمور في سوريا مستقرة الآن وفي وضع أفضل كثيرا مما هي عليه في مصر وفي ليبيا وفي تونس وفي اليمن أيضا.

إنه من غير الممكن أن يحقق الأخضر الإبراهيمي نجاحا حتى ولو بمقدار قيد أنملة ما دامت الأمور على الأرض لم تدخل دائرة الحسم النهائي وما دام الموقف الدولي يعيش حالة الاستعصاء هذه، التي بقي يعيشها منذ البدايات بسبب الموقف الروسي الأكثر تشددا من موقف بشار الأسد نفسه، وما دام الأميركيون ومعهم الاتحاد الأوروبي يعيشون حالة الارتباك وعدم وضوح الرؤية التي يعيشونها الآن.

إنه من حقنا كأصدقاء لهذا الرجل العروبي، الذي يعتبر من أهم المتبقين من رموز الثورة الجزائرية العظيمة والذي يشهد تاريخه على أن مسيرته سابقا ولاحقا كانت مسيرة عطاءات ونجاحات، أن نحذره ونواصل تحذيره من مغبة الغرق في هذا المستنقع الآسن، وأنه لا ضرورة أن يتمسك بهذه المهمة الصعبة، إن ليس هناك اتفاق دولي على إنهاء هذه المأساة على نحو يحقق للشعب السوري ثمن الدماء التي نزفت منه.. إن الأخضر الإبراهيمي ليس كوفي أنان، وإنه لا يمكن إلا أن يكون مع شعب سوريا العظيم ضد نظام لا يشبهه في الكرة الأرضية كلها إلا نظام بول بوت الشهير البائد ولم يبق من نمطه إلا نظام كيم جونغ أون في كوريا الشمالية.