محمد خليفة

عندما تغيب عن الإنسان رقابة الضمير تسقط مسؤولياته كافة، وتخضع المعايير القيمية لنزواته وحماقاته، فينجم عن تصرفه مزيد من الكوارث والفظائع، كتلك التي تحدثها أعتى الكوارث الطبيعية . ولا جدال أن أفظع الجرائم التي عرفها تاريخنا الحديث ما ذكرته مصادر إعلامية عن أن فرنسا وrdquo;إسرائيلrdquo; قامتا باختبار قنبلة ذرية في الخمسينات من القرن الماضي في الصحراء الجزائرية، وأن آثار هذا التفجير لاتزال مستمرة إلى الآن، حيث يموت الحيوان والطير والإنسان والنبات . كل شيء احترق على هذه الأرض نتيجة كثافة العامل الكيميائي التي تسبب إشعاعات محرقة، ومطراً ورذاذاً كيميائياً ساماً في منطقة التفجير من جراء تأثير المواد المشعة الموجودة فيها . ومن المعلوم أن متوسط العمر لنظير اليورانيوم المشع هو خمسة ملايين سنة، أي أن هذا العنصر يستمر موجوداً في الطبيعة يطلق الإشعاعات طوال هذه المدة حتى يتحلل . ومن هنا، فإن بعض الدول تلجأ إلى إجراء التجارب في أنفاق بعيدة تحت الأرض، ومن ثم تصب الرصاص فوقها لمنع تسرب الإشعاع إلى الطبيعة . مثلما حدث عندما انفجرت مفاعلات تشيرنوبل الذرية العام ،1986 قام الاتحاد السوفيتي السابق بصب كميات كبيرة من الرصاص في مكان الإنفجار لمنع انبعاث الإشعاعات القاتلة . وحتى اللحظة، فإن منطقة المفاعلات الموجودة حالياً في أوكرانيا ماتزال معزولة . من المعلوم أن فرنسا هي التي قدمت المفاعل الذري للكيان ldquo;الإسرائيليrdquo; مطلع الخمسينات من القرن الماضي، بعد إعلان قيام دولة ldquo;إسرائيلrdquo; على التراب الفلسطيني بقليل . وكان الصهاينة قد اكتشفوا خامات اليورانيوم في مناجم الفوسفات في صحراء النقب، وسار البرنامج النووي الصهيوني بالتعاون مع فرنسا وسواها من دول الغرب . وكانت ldquo;إسرائيلrdquo; تتكتم على أمر مشروعها الذري، وظل العرب لا يعلمون عنه شيئاً؛ لأنها لم تُجرِ أية تجربة ذرية على أرض فلسطين .

وفي منتصف الثمانينات، فضح أحد الصهاينة واسمه مردخاي فعنونو النشاط النووي ldquo;الإسرائيليrdquo;، حيث قال إنها تمتلك عشرات القنابل الذرية . وفي العام ،2006 اعترف رئيس الوزراء ldquo;الإسرائيليrdquo; إيهود أولمرت بامتلاك ldquo;إسرائيلrdquo; قنابل ذرية، وكان ذلك بعد حرب يوليو/ تموز مع لبنان، بهدف تقوية الجبهة الداخلية ldquo;الإسرائيليةrdquo; ضد العرب، لكن ما ظل غائباً - ولم يُفصَح عنه - هو أن ldquo;إسرائيلrdquo; اختبرت قدرتها النووية، وقد تم ذلك، وللأسف، على أرض عربية هي صحراء الجزائر . وقد كان معلوماً في السابق أن فرنسا أجرت تجارب نووية في الصحراء الجزائرية، لكن ما كان مستتراً هو أن هذه التجارب كانت لمصلحة ldquo;إسرائيلrdquo; . والآن، وبعد انكشاف المستور، ماذا يمكن أن تفعل الجزائر بحق فرنسا أو ldquo;إسرائيلrdquo;؛ لأنهما ارتكبتا جريمة كبرى بحقها وحق شعبها؟

مما لا شك أن الجزائر لا يمكنها اتخاذ أي إجراء بحق فرنسا أو ldquo;إسرائيلrdquo;، فهي لا تستطيع أن تقطع علاقاتها مع فرنسا، وهناك مئات الآلاف من الجزائريين يعيشون فيها، وكثير منهم يحمل جنسيتها، وهناك أيضاً علاقات لاتزال مستمرة بين الدولتين منذ استعمار الجزائر حتى اليوم . وأيضاً، فإن الجزائر لا تعترف ب ldquo;إسرائيلrdquo;، ولا ترتبط معها بأية علاقات، فماذا يمكن أن تفعل مع هذه الدولة غير الشرعية؟ هل تتقدم بشكوى إلى هيئة الطاقة الذرية؟ وماذا فعلت منظمات الأمم المتحدة تجاه الانتهاكات ldquo;الإسرائيليةrdquo; في فلسطين ولبنان؟ لقد طالبت الجزائر في رسالة أرسلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في وقت سابق، فرنسا بالاعتراف بمسؤوليتها عن الجرائم التي وقعت في الجزائر في الثامن من مايو/ أيار العام ،1945 والتي راح ضحيتها 45 ألفاً من الشعب الجزائري .

بالطبع، قوبل طلبه بالرفض، أو بالأحرى لم ترد فرنسا على هذه الرسالة، لأنها تعلم أن ذلك قد يفتح عليها أبواب جهنم؛ فهناك الكثير من الشعوب في آسيا وإفريقيا وأمريكا تنتظر اللحظة المناسبة للانتقام من الفرنسيين على ما جنوه بحق تلك الشعوب إبان استعمارهم لها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين . وربما من باب -اعرف عدوك-، فإن الكشف عن حادثة التفجير النووي ldquo;الإسرائيليrdquo; في الجزائر، سيزيد العرب قناعة وإيماناً بأن مدرسة الصهيونية هي مرادفة للسادية (Sadism) في عالم متكامل من الرذائل والشرور، شعاره البقاء للأقوى، ولا عزاء للضعفاء، فلا حق بغير قوة تحميه، وهناك الكثير من الشواهد في التاريخ . ثمة سؤال يدور في أذهان كل من شاهد هذه الأرض المحروقة في الجزائر، إلى متى يستمر هذا الصمت المريب الخانع عن هذه التجربة البشعة، والتي لا يمكن لكائن بشري أن يتحملها، فضلاً عن أن يرضى بها؟ وهنا يمكن التساؤل متى يفيق الضمير العالمي من سباته؟ وأين تلك الوسائل الإعلامية الغربية والعربية من تصوير هذه المناطق المحروقة، وكشف خطورة هذه الاختبارات النووية التي تمت على أرض الجزائر، وإظهار آثار هذه الغازات السامة النووية والمخالفة لكل القوانين والمواثيق الدولية والالتزامات الأدبية والأخلاقية؟