باريس

سياسة هولاند الاقتصادية، والموقف التركي من الأزمة السورية، والحملات الانتخابية الأميركية، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.

هولاند والنمو

صحيفة لوموند نشرت تحليلاً سياسياً تساءلت في عنوانه: quot;أي سياسة لليسار من دون نمو؟quot;، مبرزة أن الرئيس فرانسوا هولاند يستطيع القول إنه كان واضحاً في حملته الانتخابية خلال فصل الربيع الماضي فيما يتعلق بإطلاق وعود إنعاش الاقتصاد واستعادة معدلات نمو معقولة. وقد كان في ذلك مختلفاً عن سابقيه في قصر quot;الأليزيهquot; الذين عرف عنهم الاستغراق في إطلاق الوعود الاقتصادية البراقة خلال حملاتهم الانتخابية. حيث كان هولاند واقعياً عموماً في تعهداته الاقتصادية، وإن كان هذا لا يعفيه أيضاً من التشمير عن ساعد الجد الآن لمواجهة تحديات المرحلة الاقتصادية الصعبة الراهنة. ومن خلال محاولته عدم إيهام الفرنسيين أو دعوتهم للاستغراق في الأحلام قدم هولاند حزمة خطوات تعهد بإنجازها، يمكن اختصارها في السعي إلى إصلاح الحالة المالية، ومن ورائها المنظومة الاقتصادية، في خطة متدرجة تمتد على فترة خمس سنوات.

ولكن الآن بعد مرور ثلاثة أشهر، لا يبدو أن أصعب الأوقات وأكثر التحديات تعقيداً أصبحت الآن خلف ظهر هولاند وإنما هي على الأرجح أمامه. وقد وصلت الأوضاع الاقتصادية للبلاد -وفي أوروبا- حالة من التردي لم يكن أحد ليتخيلها في بداية هذا العام. وكان هولاند قد تعهد في برنامجه الانتخابي بتحقيق نسبة نمو لا تتجاوز 0,5 في المئة عن العام الجاري، لتصل إلى 1,2 للعام المقبل، وهي نسبة على رغم ضآلتها وتواضعها -أو لنقل واقعيتها- لا يبدو في الأفق حتى الآن ما يدل على إمكانية تحقيقها، تقول الصحيفة. وإذا كانت فرنسا قد تمكنت حتى الآن من الإفلات من التراجع بشكل جارف فقد ظلت تراوح مكانها دون تقدم في نسبة النمو. ولعل أفضل التوقعات الآن لا يتجاوز معدل نمو بنسبة لا تتجاوز 0,3 في المئة عن العام الجاري. وأسوأ من ذلك الارتفاع المتفاقم لمعدلات البطالة. وإذا استمر هذا الاتجاه خلال العام المقبل فسيتحول الوضع إلى أزمة فادحة.

ولاشك أن كل هذا يقتضي من الحكومة الاشتراكية التحول من منطق الأقوال إلى منطق الأفعال والشروع في اتخاذ تدابير فعالة، كما يقتضي تكثيف العمل مع القطاع الخاص، ولا يكفي هنا التعبير عن النوايا الطيبة تجاه الشركات، والتأكيد على أنها ليست quot;عدواًquot; وإنما هي شريك فعال وإيجابي للقطاع العام، كما كرر ذلك الرئيس والحكومة مؤخراً في أكثر من مناسبة. كما أن مزيداً من الاشتغال على تنافسية الاقتصاد الفرنسي يبدو أيضاً ضرورة، وخياراً لا بديل عنه.

وإلى جانب صدمة التنافسية الفرنسية التي يتحدث عنها البعض، والصدمة المالية، تأتي أيضاً الصدمة الأوروبية العامة، التي تتهدد الجميع، وخاصة إذا ارتمت إسبانيا وإيطاليا أكثر في حالة التراجع والكساد. وتضاف إلى هذا كله صدمة الرأي العام أيضاً، مما يقتضي من هولاند البحث عن حلول غير تقليدية لاحتواء كل هذه الصدمات. ولذا فإنه يتعين عليه أن يظهر من الشجاعة والفاعلية الآن قدر ما أظهر من العزيمة والجدية خلال فصل الربيع الماضي.

تركيا والأزمة السورية

في صحيفة ليبراسيون كتب quot;بيرم بالكيquot;، وهو باحث من مركز البحوث الدولية في باريس، ومركز quot;كارنيجيquot; بواشنطن، تحليلاً سياسياً رصد فيه ما اعتبره انخراطاً صعباً لتركيا في التعامل مع تعقيدات الأزمة السورية الراهنة، مبرزاً أن تحولات مواقف أنقرة تجاهها محكومة بسياسات وطنية ورهانات إقليمية كثيرة. والآن على رغم مرور أكثر من 17 شهراً على الانتفاضة السورية ضد نظام الأسد، وبلوغ عدد الضحايا أكثر من 20 ألفاً، لا يعطي النزاع السوري أية إشارات على اقتراب نهايته، وهذا يزيد من قلق الجار التركي بشكل خاص. وإذا كان بعض ثورات ما أصبح يسمى quot;الربيع العربيquot; قد أعطى في البداية الانطباع بسهولة الفوز برهان تركيا الرامي للتحول إلى قوة إقليمية، فإن تفاقم واستمرار الأزمة السورية المزمنة جرى على عكس ما تشتهي سفن أنقرة.

وبحكم موقعها الجغرافي كدولة جوار إيجابية نشطت الدبلوماسية التركية خلال السنوات الأخيرة في لعب دور الوسيط لحل كثير من الأزمات والصراعات في المنطقة، كما بذلت جهوداً حثيثة للتقريب بين الفصائل الفلسطينية المتصارعة. وحاولت مع البرازيل التعامل أيضاً مع الملف النووي الإيراني الشائك للغاية. بل إنها بذلت جهداً لإعادة إحياء الحوار بين السوريين والإسرائيليين في سياق عملية السلام، وإن لم تحقق في ذلك نتائج يعتد بها. وقد كانت مواقف تركيا ذاتية في تعاملها مع كافة تلك الملفات، وعرفت كيف تأخذ مسافات أمان من مواقف حلفائها الغربيين وخاصة فيما يتعلق بالنووي الإيراني والموقف من إسرائيل، ما أسبغ عليها شعبية كبيرة في الشارع العربي والإسلامي. وزادت هذه الشعبية مع تنامي حضور ودور بعض الجماعات القريبة إيديولوجياً من حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم ذي الخلفية الإسلامية وخاصة في دول الحراك العربي الآن.

وفي الأخير يخلص الكاتب إلى أن كل ما أنجزته تركيا من مكاسب سياسية في المنطقة يواجه الآن امتحاناً صعباً على ضوء مآل موقفها من الأزمة السورية، مؤكداً أن على أنقرة أن تنتبه لثلاثة دروس مهمة في هذا الصدد. الأول: أن تركيا على رغم شعبيتها في الشرق الأوسط، إلا أن تأثيرها يبقى محدوداً، على كل حال. وقد أثبتت الأزمة السورية -مرة أخرى- أن سياسة تصفير المشاكل مع الجيران غير ممكنة عملياً، كما أنها تجر أيضاً عداء أطراف بقدرما تجلب رضا أطراف أخرى.

والثاني: أن أنقرة لا يمكن أن تلعب دور قوة إقليمية مؤثرة دون أن تحل مشكلاتها الداخلية: الربيع الكردي، وتداعيات أخرى للربيع العربي، لأنه بدون حل تلك المشكلات تبقى آفاق أية مبادرات إقليمية تركية مسدودة.

والثالث: أن تركيا لا تمتلك كافة مقومات انتهاج سياسة خارجية بمعزل عن التنسيق مع حلفائها التقليديين. وبعد موقفها الخاص بشأن النووي الإيراني وخطابة مناهضة إسرائيل، ودعوتها لحل الصراعات الإقليمية ذاتياً دون تدخل القوى الغربية، ها هي الأزمة السورية تعيدها إلى أرض الواقع. فبدون الغربيين لا تستطيع تركيا حتى إطفاء أعمدة اللهب المندلعة على أبوابها.

صقورية quot;رومنيquot;

الكاتب quot;آلان فراشونquot; نشر في صحيفة لوموند قراءة في توجهات المرشح الجمهوري الأميركي quot;ميت رورمنيquot; حملت عنواناً دالاً: quot;ميت رومني، صقر أميركا الجديدquot;! وفي البداية اعتبر الكاتب أن رؤية رومني في مجال السياسة الخارجية تبدو خليطاً من رؤية كل من ريجان وبوش الابن. ولذا يمكن تصنيفه ضمن الجناح اليميني من الحزب الجمهوري. هذا على رغم ندرة تصريحات رومني في مجال السياسة الخارجية. ولكنه مع ذلك يبدو حريصاً على ترسيخ صورة عن نفسه كـquot;صقرquot; من صقور اليمين الأميركي. وهو يعِد منذ الآن بإعادة ضبط العلاقة مع كل من روسيا والصين وإيران ودول أخرى، وكل من يحلم بتحدي زعامة أميركا العالمية وأحاديتها القطبية. ولكن مع ذلك لا تشغل السياسة الخارجية عادة حيزاً كبيراً في الحملات الانتخابية الأميركية، ولذا بدت موضوعاً هامشياً في خطابة مؤتمر ترشيح quot;رومنيquot; هذا الأسبوع في مدينة quot;تامباquot; في ولاية فلوريدا.

وفي افتتاحية لصحيفة لوفيغارو استعرض الكاتب بيير روسلين كتاب الصحفي الأميركي quot;راس ساسكندquot; الصادر مؤخراً، الذي رسم فيه ملامح سيرة أوباما ورؤيته للمستقبل، مبرزاً الكيفية التي يستطيع بها كسب رهان انتخابات نوفمبر المقبل. وقد حمل الكتاب في نسخته الأصلية عنوان quot;رجل الثقةquot; وهو ما يوحي بأنه صدر خصيصاً في سياق الحملة الانتخابية، تماماً ككتاب آخر يشير إليه للصحفي في quot;نيويورك تايمزquot; ريتشارد مينيتير تحدث فيه عن مبدأ quot;القيادة من الخلفquot; الذي يعتمده أوباما في سياسته الخارجية.

إعداد: حسن ولد المختار