أحمد الدواس

ليسمح لي القارئ الكريم أن أتحدث بالسياسة والاقتصاد معاً بشكل سهل , وأن يقرأ العبرة في نهاية هذا المقال فنقول ان هناك من الأحداث الدولية ماهو حقيقي ومؤلم نود أن نشير إليه هنا , ففي البحر الكاريبي اضطر الناس في جزيرة هاييتي القريبة من كوبا الى صنع أشكال من الطين مفروشة على الأرض كهيئة الكعك وبعد ان تجف يتناولها الفقير , لاسيما وان أكثر الناس فقراء بسبب ارتفاع سعر المواد الغذائية فقبلوا بأكل الطين لأنه يسد الجوع وهو مفيد به مادة الكالسيوم النافعة للجسم , وإذا انتقلنا الى السلفادور وهندوراس في اميركا الوسطى نجد العنف والعصابات الإجرامية, وفي المكسيك عاد الحزب الفاسد في الانتخابات ليحكم البلاد مرة اخرى, وتشتهر كولومبيا بزراعة المخدرات مع تعرض القضاة فيها للاغتيال من قبل عصابات المخدرات , ومن المآسي الاجتماعية في اميركا اللاتينية ان العصابات الاجرامية تبتـز الآلاف من الناس فيضطر هؤلاء لدفع المال حفاظاً على أنفسهم وعائلاتهم, وحتى لانتحامل على هذه المنطقة نقول صحيح ان معظم الناس فيها يتسمون بالطيبة والكرم ولكن المنطقة خطرة رغم جذبها السياحي .
وإذا اتجهنا الى آسيا نرى الفقر حتى في اليابان الدولة المتقدمة , فالياباني الفقير يخفي حالته المادية أمام الآخرين لأن الفقر أمر مٌعيب حسب التقاليد اليابانية فلايذكر فقره للناس, واضطرت بعض الامهات الفقيرات في الهند الى بيع أطفالهن بمبلغ زهيد للغاية, والمشكلات العالمية لاتقتصر على الناحية المادية فقط بل الدينية أيضاً, فالمسلمون في غرب الصين بمنطقة التبت وفي بورما وتايلاند وحتى في القوقاز بروسيا يتعرضون للإضطهاد الديني, وحول المنطقة الروسية تدهور الوضع في جمهوريات آسيا التي كانت تتبع روسيا مثل قرقيزستان واوكرانيا, وفي جمهورية كازاخستان بشكل خاص تشن جماعة إسلامية تطلق على نفسها اسم quot;جند الخليفة quot;هجمات مسلحة ضد الحكومة الكازاخستانية , أما افريقيا فكثير من حكوماتها ذات أنظمة قمعية أو جاء على متن الانقلابات العسكرية.


أما ايران الجارة فيعاني شعبها من أزمة اقتصادية حادة حيث أدت العقوبات الغربية الى ارتفاع في الأسعار وفي مستوى البطالة مع انخفاض سعر العملة الايرانية مقابل الدولار الاميركي , الأمر الذي جعل كثيراً من الايرانيين يعارضون حكم رجال الدين وينتقدون سياستهم في تردي الوضع في ايران , وكثيراً ماتكون تصريحات الساسة الايرانيين بشأن الوضع في منطقة الخليج موجهة للاستهلاك المحلي حتى تصرف انتباه الايرانيين عن معاناتهم الاقتصادية.


ولايخفى كذلك سوء الوضع السياسي العربي بشكل عام , أما اوروبا فمنشغلة بأزمتها المالية التي حدثت بسبب انفاق اليونان الهائل, كماذكرنا في مقال سابق, الى درجة ان بعض اليونانيين اختار الانتحار على تحمل الصعوبات المالية, كمافعل بعض الأرجنتينيين قبل بضع سنوات بسبب فارق العملة الوطنية إزاء الدولار, وحدث في اوروبا مايٌسمى بـ quot;تأثير الدومينو quot; فبعد اليونان تضرر الاقتصاد الإسباني, وتأثرت ايطاليا سلباً فأصبحت تغير رئيس وزرائها من حين لآخر لمواجهة الوضع السياسي والاقتصادي المضطرب, وفي بريطانيا اضطر كثير من الانكليز الى الهجرة والاستقرار في دبي مثلاً هرباً من شيئين رئيسيين في بريطانيا هما ارتفاع معدلات الجريمة والضرائب العالية.
هكذا هو الوضع الدولي بشكل مختصر, ولولا ضيق البراح لذكرنا المزيد , وعندما نستطلع الوضع في الخليج نرى ان الإمارات مثلاً كانت امارات متصالحة قبل استقلالها في العام 1971 واختارت الوحدة فحققت عبر تاريخها المعاصر انجازات تنموية ضخمة, ولكن عندما حرض احد الأشخاص مجموعة من الناس على القيام بمظاهرات في دبي ما هدد الاستقرار والأمن الداخلي قامت الشرطة بنفيه الى تايلاند ولم تكترث لنـعيق منظمات حقوق الانسان طالما ان الأمر يضر المصلحة الوطنية, فلما استتب الوضع هناك وحباً بالكويت وأهلها أراد السيد ضاحي الخلفان, رئيس شرطة دبي, تقديم النصح للكويت حتى لا تنـزلق وتصبح ضحية للأجندات الخارجية أو المحلية فقال quot;يوم كانوا الشيوخ أبخص تعمرت الكويت وكانت الدولة الخليجية الاولى ويوم ترك الأمر للبعض ( للسفهاء) ضاعت الطاسة ..احتفظوا بصباحكم حتى لايأتيكم ظلام الليل .. آل الصباح أخيار , والأخيار مكسب للوطن quot; , نقول لماقال ذلك سارع بعض النواب السابقين لصده وسفه بعض الكويتيين رأيه مع ان به حكمة وبُعد نظر.
ان الأولوية الآن تقتضي من الحكومة تقوية الأمن الداخلي حتى لانعطي لشبكات التخريب أياًكانت الفرصة للتغلغل بين صفوفنا فان أكبر مثال على تردي الوضع الأمني في الكويت حرائق أمغرة ثم اندلاعها في منطقة السرة وحرق سفن خشبية بقرب سوق السمك , فهل تقف وراءها جهة تتلمس مدى فاعلية الجهاز الأمني الكويتي حتى تضرب ضربتها القوية بعد ذلك?
إن الاعتصام بمايٌسمى ساحة الارادة يعتبر نقضاً ونكثاً لبيعة أبائنا وأجدادنا لآل الصباح وانقضاضا على الحكم والدستور وثورة ناعمة على سمو الأمير , ونحن نقول هذا الكلام والفؤاد ينفطر على الوطن فقد عشنا في الغربة كدبلوماسيين (أو طلاب علم) ونعلم تماماً معنى الوطن والحنين الى ترابه, والمفروض منا ككويتيين ان نستنكر هذه الممارسات التي تحمل شعارات الأغلبية المبطلة والزائفة الساعية الى تنفيذ اجندات شخصية لاعلاقة لها بمصالح الكويت وشعبها, فما يجمع الأغلبية المذكورة هو دمار الوطن في ظل ظروف إقليمية ومحلية متوترة.
ليحمد الجميع ربهم أنهم ولدوا وعاشوا في هذا الوطن المسمى الكويت , وليتقوا الله في الكويت فماأكرمنا الخالق بالنعمة إلا بصبر آبائنا وأجدادنا وتحملهم العوز وضيق الحال , أما البديل فهو الفقر والضياع وحكم الطغاة والمستبدين , ولنا في الوضع الدولي أكبر شاهد على ذلك.