كتب: Dominic Tierney

تواجه إسرائيل تهديدَين متوازيين: الأول أن تمنح أجهزة الطرد المركزي التي تدور بلا هوادة إيران قريباً قدرة نووية، والثاني أن الإخفاق في توجيه ضربة إلى إيران (بعد كل التهديدات الإسرائيلية) سيقوّض مصداقية إسرائيل إلى حد لا تعود معه تهديداتها ووعودها تؤخذ على محمل الجد.
سجّل مؤشر احتمال اندلاع حرب ضد إيران، الذي أعدته مجلة The Atlantic، ارتفاعاً ملحوظاً ليبلغ أخيراً نحو 40%.
جمعنا فريقاً من أبرز الخبراء في العالم السياسي والأكاديمي والصحافي لنحاول دورياً توقّع احتمال أن توجه إسرائيل أو الولايات المتحدة ضربة إلى إيران السنة المقبلة.
لا تزال كفة السلام راجحة، مقارنة بكفة الحرب، لكن احتمال الحرب سجل ارتفاعاً ملحوظاً للشهر الثاني على التوالي، فبلغ في شهر أغسطس 40% بعد أن كان 36% في شهر يونيو و38% في شهر يوليو.


قدّم لنا ثلاثة من خبرائنا الأسباب التي توضح لمَ بات خطر اندلاع الحرب كبيراً إلى هذا الحد.
يعتبر شبلي تلحمي، بروفيسور في مركز أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ماريلاند الأميركية، معركة التصريحات الدائرة بين إسرائيل وإيران، فضلاً عن رغبة إسرائيل في حماية سمعتها، من القوى الكبيرة التي تدفع بهذين البلدين نحو الحرب. يقول تلحمي:
أعتقد أن احتمال توجيه إسرائيل ضربة إلى إيران ازداد قليلاً منذ تقييمنا الأخير، فلم يتضح بعد ما إذا كان موقف إسرائيل مجرد مناورة أو دليل حقيقي على رغبتها في مهاجمة إيران في ظل ظروف مناسبة. ولكن في عالم تُعتبر فيه نظرة الآخرين إلى قوة ما على القدر ذاته من الأهمية كما القوة بحد ذاتها، تصطدم إسرائيل بتحدٍّ جديد مع تصعيدها مواجهاتها الكلامية مع إيران وتنامي نفوذ هذه الأخيرة باستضافتها قمة دول عدم الانحياز، فضلاً عن المشاركة البارزة للرئيس المصري الجديد، ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن قدرة الردع الإسرائيلية تعتمد على مدى تصديق العرب والمسلمين قدرتها هذه، مقارنة بأعداء الدولة اليهودية.
يتبنى كثيرون اليوم وجهة النظر التي عبّر عنها أحد القراء عبر موقع Aljazeera.net. فقد دوّن: ldquo;يتظاهر الإسرائيليون للأسبوع الثاني على التوالي أمام مقر وزير الحرب، إيهود باراك، في تل أبيب، رافضين تصريحاته بشأن شنّ حرّب على إيران، خصوصاً أنهم خائفون من عواقب الهجوم المضاد الذي قد تشنّه إيران. فراحوا ينادون بأن باراك ونتنياهو سيختبئان في ملاجئ محصّنة، في حين يقضي الهجوم الإيراني على الشعب الإسرائيلي بأكملهhellip; يعارض شيمون بيريز وإسرائيليون آخرون الهجوم الإسرائيلي على إيران لأنهم يخافون عواقب الهجوم المضاد الإيراني، هجوم قد يجعل مستقبل الوجود إسرائيل بحد ذاته غامضاًrdquo;.


كذلك علينا أن نضيف إلى كل الحسابات الأخرى التي تأخذها إسرائيل في الاعتبار الواقع التالي: إذا لم تهاجم إسرائيل إيران، فسترى شعوب المنطقة امتناعها هذا على أنه دليل مباشر على تنامي نفوذ إيران وتزايد الضعف الإسرائيلي. ولطالما اعتبرت إسرائيل أن هذا يقوّض قدرة الردع التي تتمتع بها؛ لهذا السبب ذكرتُ أن المناورات الكلامية أكثر أهمية مما يظنه السياسيون أحياناً، وقد تكون النتيجة في هذه الحالة كارثية.
على نحو مماثل، تعتقد داليا داسا كاي، عالِمة سياسية بارزة في معهد راند، أن قلق إسرائيل بشأن حماية مصداقيتها قد يزيد من احتمال اندلاع الحرب. تقول:
يبقى المتغيّر الأساسي في تحديد احتمال أن تشن إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران في السنة المقبلة تقييم كلفة هذا الخيار وفوائده بالنسبة إلى إسرائيل. ومن المؤسف أن الإسرائيليين الذين يعتبرون أن حسنات مهاجمة إسرائيل تفوق المخاطر يتمتعون بالنفوذ الأكبر راهناً، ما يجعل احتمال اندلاع الحرب أعلى، مقارنة بالأشهر الماضية.
لا شك أن أغلبية الجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية تعارض هذا الهجوم (مفضلةً أن تأخذ الولايات المتحدة القيادة في هجوم مماثل)، وأن الشعب الإسرائيلي منقسم وخائف من توجيه هذه الضربة إلى إيران من دون الحصول أولاً على دعم الولايات المتحدة. ونُلاحظ اليوم إجماعاً واسعاً بين النُّخب الأمنية الإسرائيلية على أن الضربة العسكرية لن توقف برنامج إيران النووي بل تبطئه، وقد تعطي إيران دافعاً أكبر لتعيد بناء برنامجها هذا، تماماً كما فعل صدام حسين بعدما هاجمت إسرائيل مفاعل العراق النووي.
نتيجة لذلك، يعتقد كثيرون أن إكثار إسرائيل أخيراً من الكلام عن الحرب ما هو إلا مناورة هدفها الرئيس فرض عقوبات دولية وأميركية أكثر تشدداً على إيران، ولكن من الخطأ ألا نأخذ تهديدات إيران هذه المرة على محمل الجد.


يبدو أن القائدَين الإسرائيليين، اللذين يؤيدان حقاً الخيار العسكري واللذين يستطيعان في النهاية اتخاذ قرار مماثل (رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك)، يراهنان بسمعتهما المحلية والدولية على هذه المخاطر، ولا يكتفيان بالحديث عن الحرب، بل يطلبان أيضاً من الشعب الإسرائيلي الاستعداد لها، كذلك تؤكد إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن الدبلوماسية والعقوبات قد استُنفدت.
رغم المستويات غير المسبوقة من الدعم الأميركي والتعاون العسكري مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، فلا تبدو حكومة نتنياهو مقتنعة بأن الولايات المتحدة ستتعامل مع إيران بالحزم المطلوب (أي شن هجوم عسكري)، في حال تراجعت إسرائيل اليوم، مع أنها تعتقد أنها تتمتع بالقدرة العملية الفضلى لتؤخر برنامج إيران قبل أن تدخل هذه الأخيرة ldquo;منطقة الحصانةrdquo;، ولربما يظن القادة الإسرائيليون أيضاً أنهم سيكونون محصنين ضد الرفض الأميركي، إن نفذوا مخططهم خلال فترة الانتخابات الأميركية.
إذاً، تسعى إسرائيل على الأرجح لتعوّد مجتمعها والعالم فكرة شنها ضربة عسكرية، ولكن على القادة الإسرائيليين أن يفهموا أن تهديداتهم ستفقد في مرحلة ما مصداقيتها بين الشعب وفي الخارج على حد سواء، في حال لم تقترن بالأعمال. علاوة على ذلك، ستبدأ هذه التهديد في مرحلة ما بفقدان فاعليتها في زيادة الضغط الدولي على إيران بغية تفادي ضربة عسكرية إسرائيلية، ولربما بلغنا هذه المرحلة راهناً.


طرح بعض المحللين الإسرائيليين البارزين أخيراً استراتيجية للخروج من دوامة تصعيد إسرائيل تهديداتها العسكرية، فاقترحوا حمل الولايات المتحدة على أن تكون أكثر حزماً وأن تلتزم علانية بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران في حال امتنعت عن عمل مماثل اليوم. لكن إرغام الولايات المتحدة على الالتزام بضربات عسكرية ضد إيران هو بالتأكيد وسيلة خطرة لتفادي هجوم إسرائيلي. فمخاطر العمل العسكري وسلبياته، التي جعلت كثيرين يعارضون هذا الخيار، لا تتبدل في حال شنت الولايات المتحدة هذا الهجوم. لنأمل التوصل إلى حلول أخرى لإقناع الإسرائيليين بأن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران فكرة سيئة، لكن الافتراض أن الإسرائيليين ليسوا جادين بتهديداتهم خيار مرفوض.


يرى كن تيمرمان، مدير تنفيذي في مؤسسة الديمقراطية في إيران، ldquo;ارتفاعاً كبيراًrdquo; في احتمال اندلاع الحرب في الأسابيع المقبلة. يقول:
يتجلى هذا الواقع من خلال حجم التصريحات الأخيرة التي أدلى بها كبار القادة الإسرائيليين، محذرين من قرار وشيك بشأن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران. فقد أوضحت إسرائيل أنها تعتبر الأول من أكتوبر ldquo;عتبةrdquo; لقدرات إيران النووية العسكرية، بما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتوقع أن تكون إيران بحلول هذا التاريخ قد خصّبت ما يكفي من اليورانيوم إلى نسبة 20% لتطوّر على الأقل الجيل الأول من أجهزتها النووية المتفجرة. وبما أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية استخلصت أيضاً أن إيران اختبرت كل المكوّنات غير النووية لأجهزتها المتفجرة، فهي تتمتع إذاً بقدرة عالية. وتشير معظم التقديرات إلى أن إيران ستتمكن من مواصلة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة تصلح للاستخدامات العسكرية بعد 6 إلى 8 أسابيع.
تواجه إسرائيل تهديدَين متوازيين: الأول أن تمنح أجهزة الطرد المركزي التي تدور بلا هوادة إيران قريباً قدرة نووية، والثاني أن الإخفاق في توجيه ضربة إلى إيران (بعد كل التهديدات الإسرائيلية) سيقوّض مصداقية إسرائيل إلى حد لا تعود معه تهديداتها ووعودها تؤخذ على محمل الجد. فهل يمكن أن يخوض بلد حرباً ليحمي سمعته؟ لعل السبب الأبرز الذي دفع بالولايات المتحدة إلى خوض حرب فيتنام طوال ثماني سنوات وفقدانها أكثر من 58 ألف أميركي كان أملها تفادي مذلة الخسارة والحفاظ على المصداقية الأميركية.