هاني الفردان


الحديث عن الحوار في هذه المرحلة لا يختلف أبداً عن الأحاديث السابقة في المرحلة الماضية، من استغلال الأمر إعلامياً، مع عدم وجود أي تأكيد له رسمياً.

الحديث عن الحوار، سيكون من خلال تسريبات وتطمينات، ووعود وتأكيدات على أن مسيرة الحوار في البحرين التي لم تتوقف من قبل أبداً.

ما نقلته جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) عن لسان وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة من تأكيداته على جدية الجانب الرسمي للشروع في حوار جاد يبدأ بلقاءات ثنائية ويخلص إلى نتائج يتوافق عليها الجميع، لا يخرج عن كونه laquo;استهلاكاً إعلامياًraquo; فقط، في ظل نفي جمعية laquo;الوفاقraquo; -التي التقت الوزير بعد يوم واحد فقط من لقاء laquo;وعدraquo;- وجود أي مشروع حوار حقيقي مطروح على الأرض.

المستغرب أن وزارة العدل لم تصدر بياناً تؤكد فيه اللقاء أو ما جاء فيه، ولم تكشف فيه بشكل رسمي عن مقولة laquo;جدية الحوار لدى السلطةraquo;، هذا إذا ما عرفنا أن الوزارة أصدرت من قبل بيانين عن لقاء الوزير مع جمعيات سياسية لبحث الموضوع ذاته، ولكن دون تسميتها أو الكشف عن تفاصيل ما دار بينهما، إذ لخصت بيانات الوزارة كل ما جرى في عبارة laquo;تفاهماتraquo;.

أما الحديث عن لقاءات ثنائية يستخلص منها لاحقاً نتائج يتم التوافق عليها، فهو أمر آخر يثير الريبة والتساؤل، في ظل الردود السلبية من قبل أطياف المعارضة على اللقاءات رغم تأكيدات وزير العدل بمواصلتها بعد إجازة العيد.

الأغرب من كل ذلك تصريح وزير الخارجية لإحدى الصحف المحلية (5 أغسطس/آب 2012) الذي أكد فيه laquo;انه لم يتم تحديد موعد زمني لأي حوار وطني جديد مرتقبraquo;. وهو تصريح يتضارب بشكل كبير مع أي حديث آخر عن التوجه لحوار حقيقي في هذا البلد. فعلى الأقل حديث وزير الخارجية هو تصريح رسمي مباشر وصريح عن أنه لا يوجد في الفترة الحالية أي تحديد لموعد حوار مرتقب، وبالتالي فهو قطع الطريق أمام من يقول بأن هناك حواراً يُعدّ ويرتب له من خلال لقاءات سواء كانت ثنائية أم جماعية بين وزير العدل وجمعيات سياسية.

وعلى الصعيد ذاته، كان لوزير الخارجية تصريح لاحق خلال اجتماع سفراء البحرين قال فيه إن laquo;البحرين تمضي في طريق انسيابي نحو تحقيق المصالحة الوطنية والحوار السياسي من أجل دفع التفاهمات المشتركة، واستكمال مبادرات الإصلاح والتطويرraquo;، إلا أن هذا الحديث لا ينقض التصريح الأول بل يؤكده، إذ إن البحرين اعتادت على تصريحات أن أبواب الحوار مفتوحة ومستمرة، وهي سياسة بحرينية قديمة، وتأتي ضمن laquo;التسويق الإعلاميraquo; لكسب التعاطف الدولي الذي فهم اللعبة جيداً وأدركها بكل وضوح، حتى أصبح أي حديث أو تصريح لأي مسئول من دول العالم يطالب السلطة والنظام في البحرين بـlaquo;حوار جاد ذي مغزىraquo; مع المعارضة.

لو تأملنا قليلاً في ساحة التصريحات في الفترة الماضية لوجدنا أن رئيس تجمع الوحدة الوطنية الشيخ عبداللطيف المحمود كشف عن أمرٍ ما بشأن الحوار قد يبدو أنه سُرّب له، وهو ما نقلته صحيفة محلية عن لقاء المحمود المفتوح بأهالي الرفاع، إذ رجّح المحمود إطلاق حوار وطني في البحرين بغضون شهر إلى 45 يوماً، لحل المشكلة السياسية في البلاد وتهدئة الأوضاع، لافتاً إلى أن نتائج الحوار تؤدي إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات نيابية جديدة.

المحمود بعد يومٍ واحدٍ تراجع أو نفى تصريحه الأول، وقال إنه فهم في غير سياقه، وأن حديثه كان عن أن أي حوار سيستغرق بين شهر إلى 45 يوماً. ونسي المحمود أنه في الحديث ذاته ذكر أن نتائج الحوار ستكون حلاً للبرلمان وانتخابات جديدة، فمن أين جاء بهذا الحديث؟

وفي اللقاء المفتوح نفسه، أطلق المحمود إشارات جديرة بالاهتمام والتركيز، وخصوصاً تلك المتعلقة بالاستحقاق الانتخابي المقبل، إذ قال: laquo;في الاستحقاقات النيابية القادمة نريد ممثلين أحراراً، فالعبيد للخدمة والأحرار هم الذين يبنون البلادraquo;! في إشارة واضحة لقرب هذا الاستحقاق.

تصريحات المحمود وتراجعه عنها، تشير إلى وجود ضغوط أو نوايا لدخول في حوار، تم التراجع عنها أيضاً، أو أنها أجلت لأجل غير مسمى، حتى وإن كانت الزيارات الرسمية في المجالس الرمضانية، تطرقت للحديث عن الحاجة إلى laquo;حوار بناءraquo;.

في الجانب الآخر، تطرح عدة أسئلة بخصوص الحاجة أصلاً لحوار، إذا ما علمنا أن السلطة ترى أن البحرين laquo;بخير والحمد للهraquo;، فلماذا الحوار أصلاً. كما أن السلطة ترى أيضاً أن ما يحدث laquo;رغم الخير والحمد للهraquo; من احتجاجات ومطالبات هي laquo;إرهاب وتخريبraquo; فهل ستحاور السلطة مخربين وإرهابيين؟ وهل ستدخل السلطة في حوار مع جماعات تسعى لتشويه سمعة البلد دولياً، وتحمل أجندات خارجية صفوية، وتقوم بأعمال إجرامية إرهابية؟

إذا أردت أن تعرف حقيقة وجود حوار قس ذلك على الأرض، بين إفراجات، وتوقف عن الاعتقالات والمداهمات، وتخفيف وطأة الحملة ثم التشديد مرة أخرى، فإن ذلك سيكون مؤشراً إيجابياً، لحقيقة نوايا الحوار. فليس من المنطق أن يستوي الحوار والخيار الأمني في آنٍ واحد.