علاء الدين الفرارجي

كلمات الديمقراطية والحراك السياسي والدستور والشفافية والمواطنة وغيرها من المفردات التي تتكرر مئات المرات يومياً بوسائل الإعلام اصبحت تفرض نفسها على الأجيال الجديدة, بل انه لن يكون امراً مستغرباً ان يسأل الصغير أمه ببراءة عن معنى quot;الديمقراطيةquot; وقد يتصورها مثل quot;أم السعف والليفquot; أو quot;حمارة القايلةquot; أو quot;أبو رجل مسلوخةquot; أو قد يتصور الطفل quot;الدستورquot; وكأنه اسم لعضو بجسم الانسان أو لسلطة مطاعم أو محلات مشهورة, وقد يتبادر الى ذهن الاطفال ان الحراك السياسي مثل المراجيح والعاب المدينة الترفيهية والملاهي وسوق العيد.
ومن الطبيعي ان يسأل اطفال اليوم عن معاني الكلمات والمفردات المتكررة امامهم من الكبار مثلما كانوا يسألون قديماً عن بعض الأمور المحرجة التي كان الآباء لا يعرفون الاجابة المناسبة والمقنعة والصادقة عليها, وبعد ان يكبر الصغير يضحك لاجابات الكبار على اسئلته البريئة والساذجة والتي كانت تمس قضايا غير بريئة.


وكذلك الشعوب عندما تسأل ولاة الامور عن معاني بعض المفردات مثل الديمقراطية والحراك السياسي والنزاهة والشفافية, فانها تسأل وتستمع للاجابات وتكتشف بعد ذلك ان الاجابات لم تكن مقنعة او صادقة لأن الممارسات اليومية لم تعمق تلك المعاني لدى الاطفال ولدى الشعوب, ولم يمارسوها من قبل بصورة صحيحة ولم تتح لهم الفرصة لتذوق حلاوتها ونكهتها للتمسك بها.
فبينما يسمع الطفل او التلميذ عن الديمقراطية فانه يعيش بيئة منزلية وعائلية ومدرسية قوامها الديكتاتورية والتسلط والفاشية التربوية والتعليمية, وبينما يسمع عن حقوق الرأي والتعبير والكرامة الانسانية فان المطاردات والتعسف الابوي والفاشية المنزلية تحاصره طوال اليوم والنهار ويمتد ذلك الى البيئة المدرسية طوال المراحل التعليمية لأن البيئة المدرسية امتداد للمجتمع الكبير الذي يحتضن الكبير والصغير ويحيطهم بسياج التسلط, واذا لم نعلم اولادنا بالمدارس نظريا وعمليا ما هو المقصود بالديمقراطية وبالشفافية, وما هي قيمة حقوق الانسان وما هو الحصاد من تطبيق حقوق الانسان والمحافظة على الكرامة الانسانية, فان فلذات اكبادنا من الاجيال المقبلة ستعاني من الفجوة المؤلمة بين ما يتنامى الى اسماعهم عن الديمقراطية وعن حقوق الانسان وعن الشفافية من جهة ومن الجهة الاخرى ما قد يرونه عن كثب ويعيشونه على ارض الواقع من تسلط وفاشية تربوية وتعليمية. وان لم ندرك اهمية الاصلاح السياسي بدءا من البيئة المدرسية فان التراكمات النفسية التي ستعاني منها الاجيال الجديدة ستبقى ندباتها وآثارها عالقة بنفوسهم وبعقولهم وقد تؤدي الى الدفع بهم الى ممارسات لا ديمقراطية بالمستقبل لانهم وببساطة شديدة لم يتدربوا على الممارسات الديمقراطية الصحيحة منذ نعومة اظافرهم.


ان الوقاية من القهر وحماية الاجيال المقبلة من مخاطر الفاشية والتسلط تحتاج الى الاسراع بدمج مفاهيم حقوق الانسان والمواطنة وحرية الرأي وحرية الفكر ضمن المناهج التعليمية والأنشطة التربوية بالمدارس وبالجامعات, وتيسير وتشجيع المبادرات التعليمية التي تنشر مفاهيم حقوق الانسان والمواطنة لدى الأجيال الجديدة وبطريقة مقبولة ومحببة لهم مثل quot;توم وجيريquot; او مثل quot;باتمانquot; او quot;سوبرمانquot; أو quot;مياو مياو أو quot;باربيquot; فان ثقافة الطفل والانشطة المدرسية والتعليمية بجميع المراحل الدراسية
يجب ان تتطور لتواكب المستجدات المتسارعة المحيطة بالمؤسسات التربوية والتعليمية في زمن العولمة وسقوط الحواجز بسبب مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والاجندات الخارجية التي تجند الامكانيات لتعبث باستقرار الأوطان والمجتمعات المتماسكة التي لم تدرك المعاني الحقيقية للديمقراطية وللمواطنة ولحقوق الانسان ولم تتدرب عليها منذ الصغر.
وعندما يمارس الاطفال وطلاب المدارس والجامعات الديمقراطية الرشيدة ويتلقون التدريب المناسب والممارسة على احترام الرأي الآخر واحترام حقوق الانسان, وعندما تتناول المناهج والانشطة التعليمية مفاهيم وممارسات الديمقراطية الرشيدة والناضجة ويدركون معنى المواطنة الحقة فان المستقبل سيشهد بلا شك ممارسات ديمقراطية ناضجة ونماذج متميزة من الاجيال القادمة التي ستسقط عن مجتمعاتنا الاتهامات بالتسلط وبالفاشية وستحمي اوطاننا من مبررات التدخلات الخارجية بشؤوننا وخصوصياتنا, وستسود المجتمعات القيم الاصيلة لحقوق الانسان والتي تتفق مع الشرائع السماوية وتعاليم ديننا الحنيف, وستختفي بلاشك المظاهر المسيئة للديمقراطية والانفلات بالممارسات السياسية الصبيانية بسبب الجهل بالمعاني الصحيحة للديمقراطية ونقص المهارات اللازمة لدى المتصدين لممارستها بسبب عدم التدريب عليها منذ الصغر, والامية السياسية لدى بعض الوسطاء والمتشدقين بالديمقراطية من دون فهم حقيقي او علم او ممارسة.
فهل تستطيع القيادات التعليمية والتربوية قبول هذا التحدي الذي اصبح ضرورة ذات اولوية تنموية وسياسية لمحو الأمية السياسية وسط عالم جديد يموج بأعاصير شديدة بدعوى الديمقراطية
عضو الجمعية الدولية لجودة الرعاية الصحية