يدور الكلام همسًا اليوم عن خطة لتقسيم سوريا إلى دويلات طائفية، تسوّق على أنها السبيل الوحيد لخلاص سوريا من أزمتها الدموية. ويخطط الأسد أن يكتفي بدولة علوية متواصلة مع مناطق نفوذ حزب الله بممر تعيقه حمص، فكان تدميرها مقدمة لإزالتها عن الخريطة نهائيًا.


إيلاف: يعود الحديث الى احتمال تقسيم سوريا وقيام دولة علوية، الى الواجهة بين الفينة والأخرى، كلما اشتد النزاع وتضاءلت فرص الوصول الى حل.
وبين مزاعم يروج لها الاعلام تتحدث عن حملات تطهير اثني عبر هجمات على الأحياء السنية في دمشق وحلب وحمص بهدف افراغها من سكانها كخطوة على طريق تأمين مجال حيوي للدولة العلوية القادمة، وأفكار ترى في هذا المشروع محاولة يائسة للبقاء من قبل النظام السوري، فإن القتل على الارض يستمر بشراسة مع تحوله يومًا بعد يوم الى صراع طائفي، كما تدل على ذلك الانشقاقات التي تعزز ( العزل ) الطائفي، اذ بدت كما لو أنها (انتقائية) عفوية، أو ( عملية تنظيف ذاتية )، كما اطلق عليها السوري بشار الاسد نفسه.
ينقل الكاتب علي حماده قول احد كبار اصدقاء بشار الاسد في لبنان، إن الاخير quot;يخوض حربه ضد الثورة ليس على قاعدة استعادة سوريا كما كانت في الرابع عشر من آذار 2011، أي عشية الثورة، وانما على قاعدة الانكفاء الى حدود دويلة علوية مطعمة ببعض الاقليات المسيحيةquot;
ويحدد صديق الاسد حدود الدولة من quot;شمال دمشق لجهة حمص الى حدود لواء الاسكندرون لتشمل شريطًا ساحليًا جبليًا يكون بمثابة طبعة مشابهة لخريطة لبنان جنوبًاquot;.
ويرْدَف صديق الاسد كلامه quot;معركة حمص لا تهدف الى السيطرة عليها بمقدار ما تهدف الى محوها عن الخريطة لفتح معبرين: الاول وهو الاهم نحو البقاع اللبناني من شماله حيث معقل حزب الله الذي يعمل بلا كلل على خلق معبر عقاري ديموغرافي وأمني منه الى عمق الجنوب عبر البقاعين الاوسط والغربي، حيث عمليات شراء اراضٍ عائدة الى مسيحيين جارية على قدم وساق، اما المعبر الثاني فيمر نحو الشريط الممتد الى الشرق من دمشق وريفها، نزولاً الى تخوم محافظة درعا، الامر الذي يوفر مساحة واسعة للتواصل بين الدويلة العلوية ودويلة حزب الله quot;.
ويعتمد بشار الاسد في سياسته هذه بحسب ما ورد في مقال علي حماده في صحيفة النهار اللبنانية، علىquot; تدمير كل سوريا الواقعة خارج نطاق الدويلة العلوية، ويقوم بتفريغ كل نقاط الوجود الديموغرافي السني الواقعة ضمنها أو في محاذاتها لإيجاد منطقة عازلة. اما بالنسبة الى المدن الكبرى، أي دمشق وحلب، فقال الصديق عينه: سيقاتل فيها، ولكنه اذا فقدها سيدمرها ولن تقوم لها قائمة قبل عقودquot;.
كما ينقل حماده عن احد اركان النظام السابقين في سوريا أن quot;بشار ليس صاحب (الخطة باء) وعنوانها الانكفاء الى دويلة علوية متصلة بلبنان الواقع تحت سيطرة حزب الله، اذ تعمل القيادة الايرانية على خطين الاول: محاولة كسب معركة سوريا باسرها.
والثانية: رسم حدود الدويلة العلوية بالدم والنار بحيث تكون جاهزة لاحد احتمالين: إما ضمن صيغة سوريا فيدرالية، وإما مستقلة تمامًاquot;.
وعلى الجانب اللبناني ndash; يقول المتحدث ndash; فإن quot;العمل جارٍ لتهجير قسم كبير من السكان نحو الساحل والجنوب في عكار انطلاقًا من الجهة المحاذية لقضاء الهرمل وصولاً الى البحر عبر شريط يمر قرب الحدود الدولية بين لبنان وسورياquot;.
ويخلص حماده في مقاله بالسؤال الى أن quot;بشار الاسد والسيد حسن نصرالله يقاتلان لاقامة الدويلة العلوية. فما مدى صحة هذا الكلام؟quot;.
وعلى صعيد فرضية تقسيم سوريا يرى وحيد عبد المجيد في جريدة الاتحاد الاماراتية، أن احتمال التقسيم يرتبط جغرافياً، بوجود تركز نسبي للطائفة العلوية التي يستند اليها النظام في منطقة الساحل والجبال (جبال العلويين الممتدة من عكار جنوباً إلى طوروس شمالاً) حيث مدن اللاذقية وطرطوس والأرياف والجبال المتاخمة لها، فضلاً عن وجود أعداد كبيرة من هذه الطائفة في ريف حمص وحماة.
ويتساءل عبد المجيد عن مدى ارتباط الفكرة تاريخياً، بالظلم الذي تعرّض له العلويون في مرحلة الحكم العثماني ومحاولة فرنسا إقامة كيان لهم في بداية الانتداب على سوريا عندما منحتهم حكماً ذاتياً عام 1923.
ويعرج عبد المجيد على بعض تفاصيل التاريخ القريب حين حاول الانتداب الفرنسي إقامة (حكومة اللاذقية) وعُرفت باسم (دولة العلويين) عام 1923، وفيما اذا يعد هذا مؤشراً على وجود أساس لدولة علوية.
ويقرأ عبد المجيد في المسألة عبر اتجاهين لكل منهما أسانيده. ويستند الاتجاه الذي يرجح إمكان إقامة دولة علوية يتمترس فيها أركان نظام الأسد على ثلاث ركائز أساسية، أولاها وجود أغلبية علوية في منطقة الساحل والجبال على نحو يجعلها ملاذاً لأبناء الطائفة الذين سيفرّون من باقي أنحاء سوريا خوفاً من الانتقام.
والركيزة الثانية أن المنطقة المرشحة لإقامة دولة علوية ليست جدباء اقتصادياً، بل ثرية زراعياً وقابلة للتطور صناعياً ومفتوحة على العالم عبر مرافئ كبيرة، ومن ثم فهي تمثل قاعدةً معقولةً لمشروع الدولة، فضلاً عن الدعم القوي الذي يمكن أن تلقاه من روسيا وقاعدتها العسكرية التي ستكون ضمن quot;حدودquot; الدولة الجديدة.
وترتبط الركيزة الثالثة التي يقوم عليها سيناريو الدولة العلوية بإمكان حدوث توافق دولي عليه، تكون روسيا طرفاً رئيسياً فيه إذا استحال التوصل إلى حل سياسي أو عسكري للأزمة.
غير أن الاتجاه الثاني الذي يستبعد احتمال تقسيم سوريا ويؤكد انعدام أساس لقيام دولة علوية، يستند بدوره الى ركائز لا تقل قوةً، منها هشاشة الوضع الاقتصادي في المنطقة المرشحة لإقامة دولة علوية فيها.
كما يجادل المعترضون على سيناريو التقسيم بأن الحديث عن تجانس التكوين الطائفي في هذه المنطقة مبالغ فيه، فطرطوس هي المدينة الوحيدة التي توجد فيها أغلبية علوية، لكنها لا تتجاوز الـ60 في المئة، مقابل 30 للسنة و10 في المئة للمسيحيين. كما أن الأغلبية العلوية في الأرياف والجبال تتخللها أقليات متفاوتة من المسيحيين والسُنة والإسماعيليين.