محمد جابر الأنصاري

تثار هذه الأيام مواقف الغرب والعالم من الإسلام . ويلفت منظر الاحتجاجات البوذية ضد مسلمي ميانمار نظر العالم الإسلامي . من حيث المبدأ لا يرتبط العنف بدين معين . وقد قمت عام 2005 بدراسة ظاهرة ldquo;الملاكمينrdquo; في الصين الذين ظهروا أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، عندما كانت ldquo;مملكة السماءrdquo; تواجه احتلالاً أجنبياً لاتستطيع رده . وكان ذلك العنف والإرهاب تعويضاً عن تلك المهانة . ونشرت تلك الدراسة في مجلة ldquo;حوار العربrdquo; التي كان يرأس تحريرها المفكر الكويتي العربي الكبير الدكتور محمد غانم الرميحي والصادرة ببيروت عن مؤسسة الفكر العربي التي أسسها ويرأسها الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز . وكان الأديب السعودي الكبير د. غازي القصيبي، رحمه الله، قد أوصاني أن أصدر تلك الدراسة في كتاب وأنا أعتز بتلك الوصية ldquo;وأنوي تنفيذها بإصدار كتاب جديدrdquo; يشمل تلك الدراسة ومقالات أخرى . والخلاصة أن الذل المتواصل لأمة من الأمم، أياً كانت ديانتها، يمكن أن يفرز جيلاً يمارس الإرهاب .

وليس ثمة عداء محدد في الإسلام تجاه الغرب، عدا دعمه اللامحدود واللامنطقي لrdquo;إسرائيلrdquo; . ويغيّب المتطرفون في ldquo;إسرائيلrdquo; هذه الحقيقة عن الغرب والعالم، وعندما وقع اعتداء 11 سبتمبر 2001م بلغ العداء بين الجانبين ذروته .

وكانت للدعوات غير المسبوقة إلى الحوار، حوار الأديان والثقافات والحضارات، ثم الحوار بين المذاهب الإسلامية نفسها وأبناء الوطن الواحد أصداء قيّمة، ليس في العالم الإسلامي وحسب، وإنما في مختلف بقاع العالم . وقد رفدتها - خليجياً -دعوات ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، ضمن مشروعه الإصلاحي الذي حقق للبحرين من الخير المدروس، ما سيؤدي إلى خلق رافد كبير في المنطقة كلها. وذلك ما سينعكس في ldquo;قمة البحرينrdquo; الخليجية أواخر هذا العام.

وبالعودة إلى طبيعة العلاقة التاريخية بين الإسلام والغرب، فإننا نلاحظ أن الغرب كان مهدداً بالفتوحات الإسلامية في أكثر من جبهة، ثم جاء الأتراك العثمانيون إلى شرق أوروبا بخيلهم ورجلهم، ولكن ثمة جانب حضاري آخر بين الإسلام والغرب، حيث استفادت حركة النهضة الأوروبية من عطاءات الحضارة الإسلامية، ولكن هذا جانب مغيب أيضاً، ويتغافل عنه الغربيون . وإذا ما أريد للأثر الإسلامي أن يظهر، فإن جهداً هائلاً ينبغي أن يبذل لإبراز الحقيقة التاريخية التي لابد أن تظهر في النهاية، كما حدث في الدول العربية كتونس ومصر، التي تجاوزت العداء التاريخي للغرب، وشهدنا تقبلاً غربياً للحركات ذات الجذور الإسلامية . ويمكن لهذا التطور الجديد في العلاقة بين الإسلام والغرب أن يمثل مدخلاً تاريخياً لتفاهم الجانبين . وليس من العدل إلقاء اللوم على الغرب في كل شيء . فسلوك الجاليات الإسلامية في المجتمعات الغربية ليس مثالياً، وذلك السلوك المنفر مسؤول إلى حد ما عن الصورة الراهنة . كما أن الخلاف بين المذاهب الإسلامية، دفع بعض المسلمين إلى اتهام من ليسوا على مذهبهم، بالإرهاب والعداء للآخرين كسباً للغرب إلى جانبهم .

والحوار بين المذاهب الإسلامية، في دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز تجاوز لهذا الوضع المؤسف الذي لايريده مسلم أن يستمر لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى ldquo;حرب أهليةrdquo; بين المسلمين، والمجتمع الدولي يتفرج .

إن الفارق بين الزمن الغربي والزمن الإسلامي يمثل قروناً عدة . ولاجتياز هذا الفارق الزمني لا بد من بذل جهد مضاعف وتعريف نشط بمنجزات الحضارة الإسلامية، وهو ما لا نراه متوفراً من جانب المسلمين . ولن يتمكن المسلمون من اللحاق بركب الحضارة الإنسانية إلا إذا أصبحوا مؤمنين بذلك . وكان الإسلام أولى الديانات التي أقامت المجتمع الإنساني التعددي، ويكفي أن نرى في الأندلس ابن ميمون اليهودي يتعايش مع زملائه الفلاسفة الإسلاميين الذين نبغ منهم ابن رشد وابن خلدون، الأول في الفلسفة النظرية والثاني في فلسفة التاريخ، بالإضافة إلى عطاءات أخرى في الأخلاق والفن وإقامة المجتمع العادل . كانت ldquo;الرشديةrdquo; المدرسة العقلانية الأولى في جامعات أوروبا وهي الجامعات التي لم تنشأ إلا بعد إقامة المدن الأوروبية على غرار المدن الإسلامية في الأندلس، وهي المدن التي تميزت بالأبراج لصد المعتدين وكانت تشاهد عن بعد، فيعلم المشاهد أنها ldquo;مدنrdquo;.

وقد حملت تلك المدن حتى في أسمائها من الأبراج سمات عدة فتسمت بستراسبورغ، وفرايبورغ، ولو حللنا هذه التسميات لاستخرجنا لفظة ldquo;البرجrdquo; منها . . وهكذا .

هذا في أوروبا والأندلس . أما في الصين، فتلك نهضة حضارية مشرفة أخرى للإسلام والمسلمين . وفي بلدان الشرق الأقصى الإسلامي، كإندونيسيا وماليزيا، انتشر الإسلام وسار بجهد التجار الحضارمة من الجنوب العربي من دون جيوش وأساطيل وفتوحات، فتلك ظاهرة جديرة بالتأمل والتفكير .