زياد الدريس

كنت أمشي على أطراف أصابعي وأنا أكتب مقالتي هنا الأسبوع الماضي (laquo;حرية التغبيرraquo;) عن الفيلم المسيء لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كنت أخشى أن أندفع بعاطفتي المحبة والمبجلة لرسول الهدى فأصنع كما صنع الغوغاء، أو أتثاقل بعقلانية مصطنعة مميتة للمشاعر فأكون كالذين يدافعون عن حق صنّاع الفيلم في حرية التعبير أكثر من دفاعهم عن حق الرسول صلى الله عليه وسلم في إجلاله وتوقيره، ولا تعارض بينهما إلا لمن أراد أن يصوّب سهام حرية التعبير ضد من يريد ويمنعها عمن يريد!

لن أكرر اليوم ما سبق أن قلته عن ملابسات مفهوم حرية التعبير عند الغرب، وخصوصاً في مزلقي: الانتقائية والازدواجيـــة، فقــــــد أشبعــــت هذا الجانب في المقـــال السابق. الــــيوم سأتناول موقف الطرف الآخر: المحتجين على الفيلم.

سؤال أساسي كان يجب أن نطرحه على أنفسنا قبل الخروج إلى الشوارع للاحتجاج:

إلى ماذا كان يهدف صناع الفيلم أو الرسوم المسيئة، إلى:

الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم

أو استفزاز المسلمين

أو التكسب التجاري والمادي؟!

لا تخرج أهداف هؤلاء المسيئين عن هذه الاحتمالات الثلاثة. قد يندرج عنها احتمالات فرعية تعود للأصول الثلاثة.

الاحتمال الأول ضئيـــل تَحقّقه بالنظر إلى المستوى الفني والإنتاجـــي الرديء الذي صنــع به الفيلم التافــــه، الذي بالأصح كــــان تافهــــاً ثم أصبح عظيماً بالاحتجاجات التـــي أشغلت العالم لأجله. ويجــــب أن نفـــــرق بيـــــن الإساءة والتشويه، فالفيلــم كـــــان بالفعل إساءة للرسول الكريم، لكنه ما كـــان ليكــــون تشويهاً أو تشويشاً لو أنه تحجّــم في حجمه الحقيقي الضئيل. أقول هذا وفي ذهني الفارق الكبيـــر الذي صنعه فيلم (الرسالة) الضخم للراحل مصطفى العقاد، وانعكاسات نسخته الانكليزية على المشاهد الغربي آنذاك، وما كان يمكن أن يحققه فيلم (براءة المسلمين) على المشاهد الغربي لو تُرك في حجمه الطبيعي.

إذا كان الفيلم المسيء لم ينجح في تحقيق هدفه الأول فقد عوّض هذا الضعف الفني بنجاحه بامتياز في تحقيق هدفه الثاني، وهذا ما قاده أيضاً إلى تحقيق الهدف الثالث، فهو يعيش في أميركا حيث كل فرح أو غضب... تعالي أو دناءة، يجلب نقوداً!

يتساءل الغاضبون: ما هو البديل عن الاستجابة للاستفزاز والغضب الذي يتم التعبير به عن محبة وكرامة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟!

البديــــل لـــــــيس هو الصمت البارد ولا هو بالضجيـــج الهائج، البديل اللائق بمثل هـــذه المحاولات الرخيصة لاستنزاف طاقات المسلمين والتكسّب من ورائها هو باتخاذ الإجراءات القانونية، الهادئة لكن الموجعة، ضد هؤلاء المرتزقة. وقد أوضحت في مقالتي الماضية مداخل لدحض مزاعم حرية التعبير في هذا الإطار. هذا على الصعيد العلاجي الآني للحالة بذاتها، لكن العلاج الاستراتيجي الشامل سيكون باتخاذ خطوات شبيهة بالخطوات التي تم بها إقرار تجريم النيل من الهولوكوست، أدرك أن المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة.