إبراهيم الأمين عبدالقادر

العالم العربي بموقعه وثرواته ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية قديماً وحديثاً، تاريخياً تركيا وإيران بمسمياتهما القديمة كانتا أبرز دول المنطقة إن لم نقل امبراطورياتها إلى أن جاء الإسلام برؤية جديدة ذابت معهما الفوارق والروح العدوانية بين الشعوب العربية وغير العربية، فالناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى . ومن إيجابيات هذه الروح الجديدة والمزاج التصالحي أن لعبت الشعوب الإسلامية غير العربية دوراً مميزاً في نشر الإسلام شرقاً وغرباً وفي تطوير اللغة وآدابها ما أكسب بعضها مكانة متقدمة في ادارة الدولة الإسلامية والتحكم في المركز والأطراف (الدولة العباسية والإمبراطورية العثمانية) .

دخول أوروبا طرفاً فاعلاً في المعادلة السياسية في المنطقة مكنتها من تفكيك الإمبراطورية العثمانية والحيلولة دون توحيد الشعوب العربية مع تصاعد المد القومي الذي وجد المساندة من بريطانيا وفرنسا مرحلياً . فالتوحيد في النهاية يعني قيام دولة عربية موحدة جامعة لكل العرب ومعبرة عن مصالحهم وتطلعاتهم المشروعة والمتعارضة مع مصالح فرنسا وبريطانيا في المنطقة .

بعد الحرب العالمية الثانية تراجع نفوذ أوروبا (فرنسا وبريطانيا) في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ليفسح المجال أمام قوى عظمى جديدة هي الولايات المتحدة الأمريكية في ظل نظام عالمي ثنائي القطبية . الولايات المتحدة بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية ودخولها في حرب لها مسمى آخر وآليات مختلفة (الحرب الباردة) شرعت في إعادة ترتيب الأوضاع في كل انحاء العالم مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط حماية للمصالح الغربية فيه، ومن هنا جاءت فكرة الأحلاف العسكرية (حلف الناتو وحلف بغداد . . الخ) ولضمان تنفيذ هذه السياسة تم اختيار بعض الدول واستخدامها كمصدات للرياح القادمة من المعسكر الشرقي وما تحمله من أفكار هدامة في نظر الغرب والحكام الذين ارتبطت مصالحهم واستمراريتهم في الحكم بتحالفهم وارتباطهم العضوي بأمريكا . في مقدمة هذه الدول إيران التي لعب رأس النظام فيها شاه إيران أن دور الشرطي في منطقة الشرق الأوسط .

أما تركيا فقد أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية من أهم القواعد العسكرية لحلف شمال الأطلسي، إذ تم إعدادها لتكون خط الدفاع الأول لأي هجوم من الاتحاد السوفييتي على مصالح الغرب . . ولكن التحولات التي حدثت فيما بعد في كل من تركيا وايران وفي العالم العربي، أدت إلى تغيير في ملامح الخريطة السياسية في الشرق الأوسط .

المد القومي قبل نكسة 1967م وما تبعها من تراجع أصبحت الدول العربية بعده موضوعاً للتداول والقرار من دون أن تكون لحكوماتها دور يذكر في ما يتخذ من سياسات لها تأثير خطر في شعوبها وفي مستقبلها . وفي إيران عام 1979م حدثت ثورة كبرى تحولت معها الولايات المتحدة الحليف السياسي للشاه إلى العدو الأول للحكومة الإيرانية الذي اطلقت عليه مسمى ldquo;الشيطان الأكبرrdquo;، وجاءت في مرحلة لاحقة تحولات ايضاً مهمة في تركيا بعد وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان للسلطة . النظام الجديد في تركيا جاء برؤية جديدة ومختلفة شكلت انقلاباً أبيض في سياسات تركيا تجاه العالم العربي والدول الإسلامية . فالحكومة التركية سعت إلى الانفتاح على الجميع وفق معادلة متوازنة حافظت فيها الحكومة التركية على علاقاتها مع ldquo;إسرائيلrdquo; وعلى عضويتها في حلف شمال الأطلسي الذي تغيرت عقيدته العسكرية وتوسعت صلاحياته والساحة التي يمارس فيها نشاطه من حلف دفاعي إلى مؤسسة لها الحق في التدخل في كل مشاكل العالم، حدث هذا في كوسوفو وفي افغانستان وتم الاستعانة به في دارفور في السودان .

الغريب أن تركيا التي تم اختيارها في يوم ما أن تكون في مواجهة الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو قبل انهيارهما، لها علاقات تجارية مع الاتحاد الروسي اصبحت بموجبها الشريك التجاري الأول معه .

عربياً، أكدت الأحداث وجود تنافس إيراني - تركي يهدف إلى توسيع دائرة النفوذ في الخليج وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن هنا جاءت نظرية ملء الفراغ في المنطقة العربية، والأسباب كثيرة ومتعددة أهمها :

- غياب دولة قائدة وقادرة على أن يكون لها دور إقليمي .

- النظام الإقليمي (الجامعة العربية) فاشل وعاجز عن لعب دور محوري فيما يحدث في المنطقة من تفاعلات، والدول العربية أكثر دول العالم تخلفاً في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان .

* التنافس الإيراني التركي لملء الفراغ السياسي في العالم العربي اصطدم بالتطورات التي شهدتها الدول العربية مؤخراً، في مقدمتها انتصار ثورات الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن وفي الطريق دول أخرى خاصة نحن في عصر الرجوع إلى الشعوب .

العلاقات العربية الإيرانية بعد رحيل الشاه:

اعتقد العقلاء أن رحيل الشاه نهاية لمرحلة تأزمت فيها العلاقات بين العرب وإيران للدور المشبوه الذي قام به شاه إيران تجاه الشعوب العربية وتجاه شعبه بعد قمع ثورة مصدق، ولكن ما حدث من السلطة الجديدة في إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الخميني مختلف تماماً عما كان متوقعاً بعد أن تأكد للعرب ان أهداف إيران للسيطرة على المنطقة مازالت مطروحة وإن تغيرت الآليات والأساليب التي من أبرزها تصدير الثورة، علماً أن هنالك الكثير من القضايا والمصالح المشتركة يمكن التفاهم حولها والوصول إلى رؤية حولها .

إيران والعدوان على الجزر الإماراتية:

لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسي أهمية استراتيجية لمواقع هذه الجزر على امتداد الطريق الضيق الذي يعبر الخليج العربي نحو مضيق هرمز ومنه لخليج عمان، كما أن معظم صادرات الخليج النفطية ووارداته تمر عبر هذا الطريق وتوجد بالقرب منها عدد من حقول النفط والغاز البحرية، وهنا تبرز الأهمية الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية لهذه الجزر بالنسبة لدولة الإمارات . إضافة إلى أن سياسة إيران الثابتة حالياً وفي ظل حكم الشاه ضد قيام دولة عربية موحدة في الخليج والدليل أنها قامت باحتلال الجزر قبل 48 ساعة فقط من إعلان قيام الاتحاد . فعندما أعلنت بريطانيا عن نيتها الانسحاب من منطقة الخليج وسحب مظلة الحماية عن الإمارات هددت إيران بأنها سوف تحتل جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، ففي 30 نوفمبر 1971م قامت إيران باحتلال جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى واحتلت القوات البحرية الإيرانية جزءاً من جزيرة أبو موسى التابعة لإمارة الشارقة .

تم هذا من دون اعتراض من بريطانيا، وهي أي بريطانيا قبل الرحيل من المنطقة تخلت عن واجبها تجاه حماية دولة الاتحاد الوليدة، علماً بأن سكان الجزر عرب ولهم روابط قوية مع عشائر في البر العربي في الإمارات، وتؤكد الوثائق التاريخية تبعية الجزر للشارقة ورأس الخيمة منذ القرن الثامن وحتى مجيء بريطانيا إلى المنطقة وإبرامها عدداً من الاتفاقيات مع حكامها .

منذ اللحظة الأولى كان لدولة الإمارات موقف رافض للاعتداءات الإيرانية على أراضيها، ففي 2 ديسمبر ناشدت دولة الإمارات الاسرة الدولية للتدخل لمنع العدوان وأعلنت تمسكها بالسيادة المطلقة على الجزر .

في 6 ديسمبر 1971م طلبت دولة الإمارات ودول عربية أخرى من الأمين العام لجامعة الدول العربية الاتصال بإيران وحثها على إنهاء احتلال الجزر .

وفي 9 ديسمبر 1971 م عقد مجلس الأمن الدولي جلسة للنظر في النزاع بين دولة الإمارات وإيران حول الجزر بطلب من دولة الإمارات المتحدة أكدت فيه تمسكها بالسيادة المطلقة على الجزر .

وفي 17 يوليو 1972م أكدت دولة الإمارات في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي عروبة الجزر وتبعيتها لدولة الإمارات وهي جزء من التراب الوطني الإماراتي .

وفي 5 مايو 1972م اعلنت دولة الإمارات ومن منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الدورة رقم 27 رفضها للاحتلال .

وفي 20 فبراير 1974م أكدت دولة الإمارات في بيان لها في مجلس الأمن أن الاستقرار في منطقة الخليج يستلزم التعاون بين دوله واحترام كل دولة لسيادة الدول الأخرى ووحدة ترابها .

وفي 19 نوفمبر 1974م تكرر نفس المشهد أمام اللجنة السياسية الخاصة بالامم المتحدة وإلى اليوم لم يتغير هذا الموقف من جانب دولة الإمارات ومن الشعوب العربية .

لهذا جاء الرفض الشعبي وفي كل الدول العربية للزيارة الاستفزازية للرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى جزيرة أبو موسى والمطالبة بانسحاب القوات الإيرانية من الجزر الإماراتية من دون قيد أو شروط .