عبد الرحمن الراشد

كان لافتا تحاشي الأردنيين التورط في الأزمة السورية لعام ونصف العام تقريبا، إنما إلى ما قبل بضعة أسابيع تشير كل الدلائل إلى أن الأردن يأخذ دورا مهما في ثورة الجار الشمالي، ربما يفوق الدور التركي الخجول.

ولا يفوتنا إدراك مخاوف الأردنيين من الغرق في الرمال السورية. فهم يخشون أن تطول الأزمة فترهقهم تكاليفها وتبعاتها وهم دولة بلا موارد كبيرة. كذلك، يخافون من تجرؤ النظام السوري، الذي لا يخشى عواقب أفعاله، على أن يفاجئهم صباح يوم بقواته، عابرا الحدود، وينقل المعركة على ترابهم، أو يحرك خلاياه النائمة بالتعاون مع حليفه الإيراني فيحدث اضطرابات كبيرة في المملكة. والأردنيون مسكونون بهاجس أخطر، وهو أن إسرائيل ستجد في أي فوضى، نتيجة الأزمة السورية، ذريعة لتحويل laquo;شرق الأردنraquo; إلى فلسطين بديلة، يحكمها فلسطينيون وتصبح بديلا عن الضفة الغربية وغزة. والفوضى قد تكون الفرصة الذهبية لليمين الإسرائيلي المتطرف.

ورغم وجاهة هذه المحاذير، يعلم الأردنيون قدرهم جغرافيا، وهو النوم بجوار دول خطرة، من إسرائيل، ونظام بعث سوريا، ونظام بعث العراق من قبل والآن نظام المالكي العراقي الذي لا يقل عن سابقه. وفي مثل هذا الحي من الأشقياء، لا مناص للأردن ألا ينام بعين واحدة خوفا وحذرا، ومن جانب آخر يبقى بعقل يقظ مفتوح على كل الفرص بإمكاناته المحدودة.

ولأن ثورة سوريا وتفاقم عذاب أهلها طال أمدهما، لم يعد الأردنيون في وضع يسمح لهم بالتردد، فقد صاروا في مرمى الخطر. اكتظت المدن والمناطق الحدودية بعشرات الآلاف من الفارين من جحيم الأسد، ولو استمر الوضع هكذا لأشهر طويلة، فسيفر ملايين - لا آلاف - المدنيين من القتل والترويع الذي تمارسه قوات الأسد. هذا الطوفان سيغرق الأردن، ولا يحتاج الأمر إلى خيال واسع لمعرفة مخاطر ما سيحدث لاحقا. ولو تمكن الجزار بشار الأسد من تثبيت حكمه المتضعضع بالقوة أيضا فسينتقم من الأردن الذي هب لمساعدة الشعب السوري المذبوح. وبالتالي، في كلتا الحالتين، لا خيار أمام القيادة الأردنية؛ فسوريا ليست خطرا عظيما اليوم على سلامة الأردن وحسب، بل حتى على وجوده. ولا أجد لقيادته مفرا إلا أن تلعب الدور التاريخي، وقد حان وقته. الأردن أيضا فرصته أن يكون المعبر إلى التغيير الإيجابي في دمشق.

في هذا الاتجاه، نلحظ المساندة المتزايدة للاجئين، وفتح الباب للعسكر المنشقين، والحديث عن ممرات دعم مختلفة عبر الحدود إلى داخل الأراضي السورية. ونتصور أن هناك مساحة أوسع بحيث تنتقل قيادة المعارضة السورية المتفرقة في عشرين عاصمة في العالم لتستقر في الأردن، من أجل توحيدها وإنهاء ملهاة الخلافات المستمرة.

نحن نعي أن الأردن يركب الخطر بموقفه الجديد، موقف سيحسب له أنه من أنجد الشعب السوري المحاصر الذي أغلقت في وجهه السبل. حتى تركيا التي كانت الآمال، منذ عام، معلقة عليها بأن تدخل بقواتها خافت من التورط، وهي التي كانت تدخل دائما في شمال العراق لملاحقة الانفصاليين الأكراد. فضلت الانكفاء والاكتفاء بمساعدة المعارضة لما وراء حدودها. الأردن، مثل تركيا، يدرك الأخطار، لكنه يعرف أنه المنفذ الوحيد للهاربين والمقاتلين.. موقف سيئ حفظه العرب لهما.