مصطفى الكاظمي - المونيتور

دولياً بسبب الأعمال الإرهابيّة التي حدثت في العراق وتدفّق المقاتلين عبر سوريا. وقال إن تلك القناعة هي التي تقف خلف الموقف العراقي رفض استخدام القوّة لتغيير نظام الرئيس السوري بشّار الأسد على الرغم من أنه لا يدافع عن بقاء النظام لكنه يعارض البديل إذا كان جبهة النصرة أو تنظيم القاعدة.

وتحدّث المالكي الى quot;المونيتورquot; في مقابلة أجاب فيها عن العديد من الأسئلة الدوليّة والإقليميّة والمحليّة، حول العلاقة الإشكاليّة ما بين العراق وإيران من جهة وما بين العراق وتركيا والدول العربيّة من جهة أخرى. فقال quot;علاقتنا بتركيا كانت أكثر متانة من علاقتنا بإيرانquot;، وامتدح التقارب الأخير بين طهران وواشنطن. إلى ذلك شدّد على أن الإمكانات العراقيّة ما زالت محدودة على مستوى المراقبة الكاملة لنشاطات نقل الأسلحة، وبدا جاداً في ما يتعلّق بمنع تدفّق الأسلحة إلى طرفّي النزاع في سوريا. من جهة أخرى اعتبر أن

أسلوب تعامل حكومته مع التظاهرات كان quot;مثالياًquot; مقارنة بدول أخرى.وهنا نصّ المقابلة..

المونيتور: طرحتم قبل فترة مبادرة عراقيّة حول سوريا. كيف تنظرون إلى طبيعة الاستجابة الإقليميّة والدوليّة مع تلك المبادرة؟

نوري المالكي: نعم طرحنا المبادرة وكانت مبنيّة على مبادرة سابقة تحدّثنا عنها في قمّة بغداد العربيّة وطرحناها على بعض الوفود وكذلك على المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربيّة إلى سوريا حينها كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتّحدة. وقد تمّ استيعاب التحوّلات التي طرأت في خلال هذه الفترة على المبادرة الأخيرة وناقشناها في اجتماع للرئاسات الثلاث ولرؤساء الكتل، وقرّر المجتمعون تبنيها بالإجماع. فأصبحت مبادرة العراق لحلّ الأزمة السوريّة. بعد ذلك، حملها الوفد البرلماني معه إلى تركيا وإيران وأكد أنهم هناك استقبلوا المبادرة بإيجابيّة، علماً أن الدولتَين من الاأطراف المؤثّرة على طرفَي الأزمة. وثمّة رغبة أبلغنا بها الجانب الأميركي الذي طلب [الاطلاع على] تفاصيل وآليات تنفيذها، إذ رأى أننا اقتربنا من الفهم المشترك وبالتالي احتمال تبنّيها. وقد تمّت دراسة هذه المبادرة مؤخراً من قبل اللجنة الوزاريّة لرسم السياسة الخارجيّة في الحكومة واتخذت قراراً بضرورة تبنّيها في المحافل الدوليّة على أمل الوصول إلى حلّ سياسي للأزمة.

إن موقفنا الرافض للتدخّل في الشؤون الداخليّة لسوريا وعدم انخراطنا في دعم أي من طرفَي النزاع النظام والمعارضة المسلّحة بالإضافة إلى دفاعنا عن حقوق الشعب السوري في الحريّة والديمقراطيّة بعيداً عن التدخلات الخارجيّة، هي التي مكّنتنا من تقديم مثل هذه المبادرة المتوازنة. كذلك فإن نزاهة الموقف العراقي والسبق في التشخيص المكبر في هذا المجال أكسبته المزيد من المصداقيّة.

وكلّ أملنا أن يتمّ التوصّل إلى حلّ سلمي ينقذ ما تبقّى من سوريا، وبالتأكيد سنكون نحن أوّل المستفيدين منه. وبالعكس، إذا استمرّ الصراع والمآسي وتصاعد التطرّف فسنكون أوّل المتضرّرين.

المونيتور: لكن البعض يقول أن المبادرة لم تتضمّن إشارة من قريب أو بعيد حول مصير السلطة الحاليّة في سوريا.. ثمّة خط دولي واضح لا يرى مستقبل سوريا مقترنا بالرئيس بشار الأسد، وثمّة من يتّهم العراق بأنه يدافع ضمناً عن بقاء بشار الأسد في السلطة...

المالكي: نحن لم نشر إلى النظام لكننا أشرنا إلى الآليات التي من شأنها إفراز نظام ديمقراطي قائم على أساس الشرعيّة الانتخابيّة التي يجب أن تتمّ بحسب ما أوضحنا في المبادرة تحت إشراف عربي ودولي. نحن دعونا إلى حكومة انتقاليّة تتولى الأمور لحين إجراء الانتخابات وإقرار الدستور. كلّ ما نريده هو تحكيم إرادة الشعب السوري لا قوى التدخّل الخارجيّة التي لا تملك أي مصلحة بقيام نظام ديمقراطي في سوريا أو في أي مكان آخر في العالم. لا يمكننا اعتبار كلّ الأطراف التي وقفت ضدّ النظام الحالي في سوريا ودعت إلى إسقاطه، أطرافاً داعمة للديمقراطيّة أو الحرية أو حتى للانتخابات. وأنتم تعرفون جيداً أن بعض هذه الأطراف تعتبر أن مجرّد وجود أي نظام ديمقراطي حقيقي في المنطقة يشكّل تهديداً مباشراً لها. نحن نعتقد أن هذه الأطراف بالذات مسؤولة عن إخفاق الانتفاضات والتحرّكات التي حدثت في دول الربيع العربي من خلال اختطافها وتوجيهها نحو التطرّف بعيداً عن الديمقراطيّة والحريّة والتعدديّة واحترام حقوق الإنسان.

المونيتور: اشتكى العراق من السياسة السوريّة لفترة طويلة.. وكنتم شخصياً قد بادرتم إلى اتهام سوريا بدعم الإرهاب وقدّمتم شكوى دوليّة حول هذه القضيّة.. بصراحة، هل ما زلتم تعتقدون أن نظام الأسد متورّط بالإرهاب في العراق في العام 2009، خصوصاً ضرب وزارة الخارجيّة وعدد من المؤسسات؟

المالكي: هذا سؤال جيّد. نعم ما زلنا نعتقد أن الإرهاب في العراق كان يمرّ عبر الأراضي السوريّة باتجاه العراق.

أريد أن ألفت نظركم إلى أننا حين تقدّمنا بشكوى ضدّ النظام في سوريا وقف الجميع ضدّنا ودافعوا عن النظام، بمن فيهم هؤلاء الذين يدعون إلى إسقاطه اليوم. وما جعلنا نشتكي على النظام هو نفسه ما يدعونا إلى معارضة الخيارات العسكريّة والأمنيّة في حلّ الأزمة. نحن لا نعارض التغيير في سوريا بل نعارض اتّباع الأسلوب العسكري والتدميري في حلّ الأزمة، لأنه سيؤدّي إلى انتشار العنف والتطرّف كما هو حاصل اليوم. ونحن نعارض البديل إذا كان [تنظيم] القاعدة و جبهة النصرة. ولا نعارض خيار الشعب والوحدة الوطنيّة واشتراك المكوّنات، لأننا كنا أعلنا منذ اندلاع الأزمة أن الخيار العسكري طريق مسدود. نحن نريد تغييراً مبنياً على الحوار والتفاهم والحلول السياسيّة المأمونة والتي يمكن السيطرة عليها والمبنيّة على أسس ديمقراطيّة انتخابيّة، لا أن نتّجه إلى العنف والتسلّح فنفتح أبواب الفوضى والحرب الأهليّة والتطرّف ونحوّل سوريا إلى ملاذ آمن للمنظمات المتطرّفة والإرهابيّة. نحن نخشى أن تتحوّل سوريا الى بؤرة للنشاط الإرهابي، ومن الخطأ الاعتقاد بأن الاتجاه إلى التسلّح سيحلّ المشكلة. لقد أوضحت للرئيس [الأميركي باراك] أوباما في خلال زيارتي قبل نحو سنتَين أو اكثر وكذلك لنائب الرئيس جو بايدن، أن الوضع في سوريا معقّد ولا يمكن أن ينتهي الصراع في شهرَين أو أشهر عدّة بحسب ما كانوا يتوقّعون. قلت لهم إن الأمر لا يُحسم بسنتَين أو أكثر. ثمّة وضع اجتماعي وتكوين سكاني وسياسي ومنطقة حسّاسة تجعل من الصعب التكهّن بانتهاء صراع مسلح، على هذا القدر من القسوة والشراسة. لذا فإن العراق لا يعارض التغيير ولا مصلحة له ببقاء الأمور على حالها، لكنه يعارض اللجوء إلى القوّة ويعتقد أن ذلك سيفتح أبواب الفتن والعنف والتطرّف في المنطقة.

المونيتور: ما زالت العلاقة مع إيران إشكاليّة.. هل تعتقدون أن علاقاتكم الدوليّة اليوم متوازنة؟ هل ثمّة تميّز في العلاقة مع إيران عنها مع تركيا والدول العربيّة مثلاً؟ ما هيمقترحاتكم لعلاقات عراقيّة متوازنة مع الجميع؟

المالكي: نحن نريد علاقات طيّبة مع جميع الدول لا سيّما الدول المجاورة، بل نحن نعمل ما بوسعنا لتكوين مثل هذه العلاقات المبنيّة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة. وحينما نجد الدولة التي تبادلنا المبادئ نفسها، فإن العلاقة معها ستنمو وتتطوّر. هكذا بدأت علاقاتنا مع كلّ دول العالم، ومنها إيران وتركيا. بل شرعنا بعلاقات متطوّرة جداً مع تركيا وكانت أقوى من علاقاتنا مع إيران. وحتى هذه اللحظة، لدينا تبادل تجاري مع تركيا يفوق بكثير ما لدينا مع إيران. لكن الحكومة التركيّة الحاليّة مالت في السنوات الأخيرة إلى التدخّل في شؤون العراق بشكل علني، وتدخّلت في تفاصيل الأوضاع السياسيّة والانتخابيّة وفضّلت العلاقات أحياناً مع التيارات والجهات السياسيّة أو الحزبيّة أو القوميّة على علاقاتها مع الدولة العراقيّة ومؤسّساتها الشرعيّة. كذلك تسبّبت في إثارة [النعرات] الطائفيّة عندما وقفت مع السنّة ضدّ الشيعة. لقد خلقت هذه الحالات نوعاً من الاستفزاز للعراقيّين وحدثت ردود أفعال مضادة. وقد طلبنا من الحكومة التركيّة الحاليّة مرات عديدة بصورة مباشرة وغير مباشرة العودة عن هذا النهج، وما زلنا نأمل من المسؤولين الأتراك مراجعة مواقفهم حتى تمضي العلاقات في طريق الارتقاء والنموّ.

المونيتور: إيران انتقدت بشدّة مراقبة العراق لطيرانها.. والعراق ما زال يتعرّض لانتقادات حول عدم قدرته على منع تدفّق الأسلحة إلى سوريا. أما وزير الخارجيّة العراقي فقد اعترف بعدم قدرة العراق على ضمان منع تدفّق الأسلحة إلى أي طرف سوري بسبب إمكاناته المحدودة... كيف تفسّرون كلّ هذه التناقضات وما هو الطريق الواجب سلوكه حتى يتجاوز العراق هذه الأزمة برمّتها؟

المالكي: يجب أن يكون واضحاً أن العراق جاد بعدم السماح لأي نشاط عسكري أو تسليحي لطرفَي النزاع [في سوريا]، وقد شدّدنا المراقبة على حدودنا البريّة ونقلنا الكثير من قواتنا على الرغم من حاجتنا إليها في بقيّة أنحاء العراق. وذلك، لتطبيق هذه السياسة التي نمارسها لانها تتّفق مع رؤيتنا لحلّ الأزمة ولأنها تتّفق مع مصالحنا وحتى مصلحة سوريا، وليس فقط لأن العالم يطلب منا ذلك. وقد عمدنا إلى تفتيش عشوائي للطائرات الإيرانيّة العابرة لأجوائنا باتجاه سوريا، على الرغم مما تثيره هذه العمليّة من ردود فعل سلبيّة لدى الجانب الإيراني. لكن بصراحة، نحن نعتقد أن ثمّة مبالغة مقصودة في تصوير هذا الأمر لأسباب سياسيّة. فالبعض ما زال يسعى إلى دمجها في الصراع الدائر في سوريا لأسباب مختلفة. أما عن إمكاناتها للتصدّي لحالات الخرق الجوي التي يمكن أن تحدث، فهي محدودة حقيقة، ونحن لا نملك من وسائل الدفاع الجوي ما يمكّننا من التصدّي لمثل هذه الحالات إن حدثت. لكن ما من ضرورة لاستخدام القوّة، لعدم وجود تدفّق للسلاح بحسب ما نعتقد. وهذا ما يدعونا إلى العمل بجدّ من أجل سدّ هذه الثغرة في منظومتنا الدفاعيّة.

المونيتور: حدثت تطوّرات إيجابيّة في العلاقات الإيرانيّة-الأميركيّة. كيف تنظرون إلى تحسّن العلاقة ما بين البلدَين، وهل يمكن أن تتوقّعون حدوث تحوّل إيجابي في هذه العلاقات؟

المالكي: نحن كنا من الداعين إلى فتح قنوات الحوار بين البلدين، وسبق أن استضفنا في بغداد جولتَي حوار بين البلدَين لأوّل مرّة بعد قطيعة دامت عقود. نحن متفائلون بإمكانيّة حدوث تقدّم حقيقي في العلاقات بين البلدين هذه المرّة، لوجود أجواء إيجابيّة وظروف مهيأة ونوايا جادة لدى كلاهما على ما يبدو. ونحن أعلنا استعدادنا للمساعدة في حلّ العقد ودفع الأمور نحو الأفضل، لأن ذلك يحقّق مصلحة وطنيّة لنا بالإضافة إلى ما يحقّقه من مصلحة لكلا البلدَين وتدعيم للأمن والاستقرار في منطقة شديدة التوتّر. فنحن نعتقد أن العلاقات الطبيعيّة بين ما الولايات المتّحدة وإيران تصبّ في خدمة المنطقة واستقرارها ومصلحة العراق.

المونيتور: تتصاعد أعمال العنف في العراق بشكل متواصل منذ بداية العام الجاري.. هل هذا يعني أن تنظيم القاعدة بات أكثر قوة من السابق؟ وكيف تمكّن التنظيم من استعادة قوته؟

المالكي: نعم حدث تصاعد في وتيرة الأعمال الإرهابيّة التي تطال أرواح المدنيّين الأبرياء، وهي أعمال إرهابيّة عمياء تفتقد إلى أي هدف سوى إلحاق الأذى ومحاولة الدفع باتجاه الحرب الطائفيّة. قواتنا تتصدّى لهؤلاء المجرمين وهي في حرب شاملة معهم ونحن واثقون من إلحاق الهزيمة بهم والقضاء عليهم. وثمّة عوامل عديدة أسهمت في ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابيّة أهمّها التوتّر الطائفي في المنطقة المرتبط بشكل مباشر بتطوّرات الأزمة السوريّة وانعكاساتها على الساحة العراقية. ونحن قلقون جداً من تحوّل الساحة السوريّة إلى مجال لاستقطاب المتطرّفين والإرهابيّين والطائفيّين من شتى بقاع العالم وتجمّعهم في جوارنا. نحن نناشد العالم الانتباه إلى هذه الحقيقة التي لا يستطيع أي كان إنكارها. ولا ينبغي النظر إلى الأزمة السوريّة من خلال سقوط النظام الحالي أو عدم سقوطه فحسب. فذلك لا يشكّل إلا جزءاً يسيراً من المشكلة الأعمق وهي النموّ المتزايد للمجموعات المتطرّفة التي أخذت تحصل على الدعم والتسليح تحت هذا الغطاء. نحن نحذّر من نظرة ثأريّة ضيّقة في معالجة الأزمة السوريّة تسيطر على بعض دول المنطقة، وقد تقودها إلى أزمات أكبر في داخلها. كنا نحذّر مما نشهده اليوم قبل وقوعه بعامَين ونصف العام، ونحذّر اليوم من واقع أسوء سيحدث في المستقبل إذا تركت زمام الأمور بأيدي أطراف تسيطر عليها عقليّة الانتقام وتصفية الحسابات بدلاً من التأمّل بعمق بما آلت إليه الأمور وبمصير المنطقة.

المونيتور: ثمّة عودة غير مسبوقة للمليشيات في جنوب العراق والعاصمة بغداد وأعمال قتل وتهجير طائفيّة تنقلها وسائل الإعلام وجهات رسميّة، خصوصاً في البصرة والناصريّة. كيف تردّون على من يقول أن بغداد متساهلة مع نشاط المليشيات، وأن هذا التساهل بدا واضحاً في عدم بذل الجهود لمنع تدفّق المقاتلين للقتال إلى جانب نظام الأسد، وأن هذا التساهل قاد إلى استعادة المليشيات قوّتها بدورها؟

المالكي: نعم حدثت بعض الأعمال الإرهابيّة من قبل مليشيات وقد اتّخذنا الإجراءات اللازمة وصدرت الأوامر إلى أجهزتنا الأمنيّة بضرورة التصدّي لهذه الأعمال بكلّ حزم وقوّة. واجتمعت قبل أيام ببعض الأهالي الذين كانوا مستهدفين بهذه الأعمال الإجراميّة، وأكّدت لهم أن الحكومة والأجهزة الأمنيّة والشرطة تقف إلى جانبهم وتدافع عنهم وأن هذه المليشيات لا مستقبل لها. وثمّة ترابط واضح ما بين نشاط هذه الجماعات ونشاط الجماعات الإرهابيّة، بحيث يتقوّى أحدهما بالآخر. لكن الرفض الشعبي الواسع والإجماع لدى العراقيّين حول نبذ هؤلاء سواءً المليشيات أو الإرهابيّين، جعلهم معزولين ومنبوذين لا يتمتّعون بالحماية.

المونيتور: كيف تقيّمون الوضع السياسي في البلد؟ توجّهون باستمرار اتهامات إلى شركاء العمليّة السياسيّة بالتورّط في تعكير الأجواء السياسيّة والأمنيّة؟ وعلى الرغم من هذا وقّعتم على مبادرة السلم الاجتماعي.. فكيف تقيّمون هذه المبادرة؟

المالكي: هذه المبادرة جاءت لتزيد من عزل المتطرّفين وتجرّدهم من أي غطاء قد يلجأون إليه لتبرير إجرامهم. نحن نعتقد أن ذلك يسهم إلى حدّ كبير في الحدّ من نشاط هذه الجماعات وتطويقها وتسهيل عمليّة القضاء عليها، وكذلك في رفع معنويات الناس والقوات المسلحة التي تخوض المواجهة معها. وأقول لكم إن بعض الشركاء لجأوا إلى التحريض الطائفي والتهديد بالقوّة والعنف والتمرّد على الدولة، ما جعلنا لا ننجح في وضع خطّ فاصل بين ما هو حريّة تعبير وتظاهر ومناداة بمطالب وبين التحريض والمساس بالأمن العام وتهديد الجيش والأجهزة الأمنيّة ومؤسّسات الدولة. وقد استفاد هؤلاء الشركاء المحرّضون بخبث من التداخل الطائفي والإثني ومن التوّترات السياسيّة لتحقيق أهداف انتخابيّة أو سياسيّة أخرى. ولم يتورّع بعضهم من الاستعانة حتى بـquot;القاعدةquot; من أجل الوصول إلى تلك الأهداف. آمل أن تساعدنا هذه المبادرة والوثيقة التي تمّ التوقيع عليها في وضع هذا الخطّ الفاصل مرّة أخرى ومعاقبة من يحاول اجتيازه من أي طرف كان.

المونيتور: هل الحكومة جزء من الأزمة العراقيّة؟ أين تعتقد أن الحكومة تحوّلت إلى أزمة؟ أم أن الأزمة هي برلمانيّة؟ أم رئاسيّة؟ أم في مجمل النظام السياسي العراقي؟

المالكي: الأزمة هي في مجمل النظام السياسي، لأن المؤسّسات والسلطات فيه متداخلة مع بعضها البعض ولا تصلح سلطة بخراب سلطة ثانية.

المونيتور: كيف تقيّمون طبيعة العلاقات مع إقليم كردستان العراق اليوم؟ البعض يقول إنه عملياً لم يحصل أي تغير في العلاقة على الأرض، وما حصل صلح شخصي بين المالكي و[رئيس الإقليم مسعود] بارزاني.. هل تؤثّر الاعتبارات الشخصيّة على الأزمات؟

المالكي: لا نقبل شخصنة القضايا والسيّد بارزاني صديق من عشرات السنين وفي ظلّ ظروف النضال ضدّ البعث. إنما القضيّة هي في بنية الدولة الجديدة والدستور وعدم نضج المؤسّسات. الخلافات ليست شخصيّة إنما موضوعيّة، وما تمّ الاتفاق عليه مستمرّ عبر اللجان التي تشكّلت لهذا الغرض بالإضافة إلى تفهّم العراقيّين ضرورة الحلّ.

علاقات الحكومة الاتحاديّة مع الإقليم جيّدة ونأمل أن تنمو وتتطوّر في إطار الدستور.

المونيتور: هل يسير العراق على أسس ديمقراطيّة سليمة؟ كيف تقيّم التظاهرات الشبابيّة الأخيرة في 31 آب، وموقف قوى الأمن منها؟

المالكي: نعم بالتأكيد أن العراق يسير على طريق الديمقراطيّة، لكنه ما زال في بداية الطريق ويحتاج إلى الكثير من الجهد والممارسة وبناء المؤسّسات وتشريع القوانين وتعميق ثقافة احترام القانون على مستوى الدولة والمجتمع. لكن الخطوات التي قطعانها تعتبر جيّدة إذا ما قورنت بالصعوبات والمشاكل التي اكتنفت التجربة واعترضت طريقنا. لقد نجحنا في تنظيم أكثر من خمس دورات انتخابيّة مختلفة بين برلمانيّة وغيرها، منذ سقوط النظام حتى الآن.

أما في ما يخصّ تظاهرات الشباب، فهذا شيء طبيعي ونحن نعتبره علامة على نشاط وفاعليّة ومشاركة طالما أنها تجري في إطار القانون. ودعني أقول لكم بصراحة أن التعامل مع التظاهرات التي جرت في العراق سواءً تظاهرات الشباب التي كانت مركّزة ضدّ امتيازات أعضاء مجلس النواب أو الاعتصامات التي شطحت أحياناً لتصل إلى حدّ التحريض على الطائفيّة والعنف وتحدّي القانون، بالإضافة إلى ما حملته من مطالب مشروعة جرى التعامل معها بجديّة. إن تعامل العراق مع هذه التظاهرات تصلح أن تكون نموذجاً للتعامل الإنساني المتحضّر. فأنتم تشاهدون كيف يتمّ التعامل مع تظاهرات مطلبيّة عاديّة في دول المنطقة وعدد الضحايا، ولا أجد حاجة لضرب الأمثلة وهي كثيرة ولا تغيب عن الصحافة. ربما وقعت بعض الإشكالات من قبل الأجهزة الأمنيّة أو من المتظاهرين هنا وهناك، وهذه الأمور تجري متابعتها لكي لا تقع مرّة أخرى. وهي طبيعيّة تحصل. لكن القرار هو محاسبة المقصّرين والمسيئين سواءً من الأجهزة الأمنيّة أو المتظاهرين.

المونيتور: كيف تقيّم التظاهرات في المدن السنيّة بعد أكثر من تسعة شهور على انطلاقها؟ هل تعتقد أن الحكومة حقّقت مطالب المتظاهرين؟

المالكي: تحرّكنا منذ اللحظات الأولى للتظاهرات وشكّلنا لجان على مستوى عالي. كانت الأولى حكوميّة برئاسة نائب رئيس الوزراء وعضويّة سبعة وزراء. وقد بدأت فوراً عملها وحقّقت المزيد من المطالب المشروعة التي تقع في دائرة صلاحيات السلطة التنفيذيّة، كرفع الحجز عن أموال بعض شخصيات محسوبة على النظام السابق ورفع رواتب أفراد أبناء العراق من ١٥٠ ألف إلى ما لا يقلّ عن خمسمائة ألف دينار عراقي والتقاعد وغير ذلك. كذلك تمّ التعاون مع السلطة التشريعيّة والقضائيّة لتلبية مطالب أخرى كالإسراع في إطلاق سراح بعض السجناء، وتمّ [بالفعل] إطلاق آلاف السجناء كانوا معتقلين بسبب بطء عمليّة إخلاء سبيلهم نتيجة الأنظمة المتّبعة في القضاء، وغير ذلك من إجراءات. ونحن على ثقة تامة بأن المطالب المشروعة إما أن تكون قد نفّذت أو أنها ستنفّذ بأسرع وقت. لكن ما هو عصيّ على التطبيق، هي المطالب السياسيّة والمطالب غير المشروعة بل والمطالب الطائفيّة المرفوضة. الكلّ يعرف أن بعض الفاعلين في هذه التظاهرات هم أعضاء فاعلين في منظمات إرهابيّة متطرّفة كالقاعدة وغيرها. وهؤلاء حاولوا أن يستخدموا المطالب المشروعة وأصحابها كجسر لتحقيق أمور عجزوا عن تحقيقها بالعنف والإرهاب. نحن دخلنا في محاولات دامت أشهر عدّة لفصل هؤلاء المتطرّفين والإرهابيّين وأصحاب المطالب غير المشروعة عن غيرهم من الأهالي الأبرياء، وهم الأكثريّة الساحقة. ونأمل أن نطوي هذا الملفّ بأسرع وقت. فليس من المطالب المشروعة إسقاط العلية وإيقاف العمل بالدستور ورفض قانون حظر حزب البعث أو المطالب الطائفيّة وحلّ الأجهزة والعفو عن الإرهابيّين بحجّة أنهم مقاومين وغير ذلك

المونيتور: الخدمات مشكلة دائمة في العراق.. ثمّة وعود كثيرة ومتواصلة لتحسين الخدمات خصوصاً الطاقة الكهربائيّة لكنها لا تتحقّق.. أين يكمن الخلل؟ وكيف تتمّ المعالجة؟

المالكي: نعم لدينا خراب هائل وتركة ثقيلة من النظام البائد الذي خلّف لنا بنية تحتيّة محطّمة تماماً وخراباً ودماراً في كلّ شيء. لقد بدأنا مسيرة صعبة في عملية الإعمار والبناء وشاملة، تناولت كلّ ما مسّه الخراب في الوقت نفسه الذي كنا نعمل على فرض الأمن والاستقرار وبناء الأجهزة الأمنيّة والقوات المسلحة.

لقد خطونا خطوات كبيرة على صعيد توفير الطاقة الكهربائيّة على الرغم من تضاعف نسبة الاستهلاك نظراً لارتفاع المستوى المعيشي ومظاهر الرفاهيّة التي أخذت تنمو باطراد. بعض المحافظات تنعم بالكهرباء 24 ساعة يومياً أو أقل من هذا بقليل. والعشرين ساعة بعد أن كانت تنقطع طوال النهار باستثناء ساعة أو ساعتَين. أما الخدمات الطبيّة ففي تحسّن مستمر وبناء المستشفيات وزيادة الدخل وفتح الكثير من الطرقات وبناء الجامعات والمدارس واستصلاح الأراضي الزراعية وزيادة الإنتاج الزراعي، إذ لأوّل مرّة يصل العراق حدّ الاكتفاء الذاتي تقريباً في إنتاجه للحنطة وزيادة إنتاج النفط وتصديره، بما جعل العراق البلد الثاني في منظّمة quot;أوبكquot; وغير ذلك. وحتى بالنسبة إلى الطاقة الكهربائيّة، نحن الآن على وشك تجاوز هذه الأزمة. ونأمل أن نكون قد انتهينا منها في العام المقبل.