زهير قصيباتي

إذا كانت فضيحة للسياسة الخارجية الأميركية إشادة الوزير جون كيري بالتزام الرئيس بشار الأسد تنفيذ اتفاق تدمير الترسانة الكيماوية السورية، فالفضيحة الأكبر أن ينبري مسؤول في إدارة الرئيس باراك أوباما الى التنصل من حماسة الوزير التي تخطت سياسة البيت الأبيض. وفي كل الأحوال تبدو مهمة واشنطن عسيرة في مواجهة شكوك المعارضة التي لا يمكنها أن تُسلِّم ببراءة ما يشبه إحياء اعترافٍ مبطّن بأن لنظام الأسد laquo;صدقيةraquo; يمكن الاتكال عليها، لضمان عدم المس بمصالح الولايات المتحدة، ومتطلبات الأمن لإسرائيل.

والحال أن كل سبحة الانفتاح الغربي على ما كانت واشنطن تعتبره laquo;محور الشرraquo;، وتزامنه مع laquo;الامتثالraquo; السوري للاتفاق الروسي- الأميركي (تدمير laquo;الكيماويraquo;) بفضل تدخّل طهران لدى دمشق، ثم استعجال إيران ثمار مفاوضات مع الدول الست، قبل استئنافها في جنيف لتسوية ملف البرنامج النووي، يكرّس ملامح لمسرح التطبيع مع laquo;المشاغبَيْنraquo; الحليفين. وفي كل الأحوال إسرائيل الحاضر الأول في صفقتي laquo;النوويraquo; و laquo;الكيماويraquo;، ما دامت المستفيد الأكبر، إذ تضمن أمنها لعشرات السنين.

ولم تمضِ أيام طويلة من القلق على ما وراء اندفاعة كيري التي قفزت على حقائق المجازر في سورية، حتى تبيّن أن حرارة حماسة الوزير كادت أن تصيب نظيره الإيراني محمد جواد ظريف بالإعياء، ولكن لسبب آخر هو عزف المتشددين في طهران على وتر ضجيج التطبيع مع laquo;الشيطان الأكبرraquo;. بديهي أنهم تشجّعوا بانتقاد المرشد علي خامنئي ما بدا تسرّعاً لدى الرئيس حسن روحاني، لرفع سيف العقوبات عن عنق إيران بأي ثمن، وما أن laquo;فبركواraquo; عدم اقتناع ظريف بتجاوب روحاني مع مكالمة الرئيس باراك أوباما، حتى انكشفت حرارة الصراع على الحوار والتطبيع مع واشنطن والغرب عموماً.

ولم يعد من قبيل المبالغة القول بربط المسارين السوري والإيراني في حسابات المرشد، وبإقبال لافت ممّن كانوا حتى الأمس القريب ألدّ أعداء النظام الإيراني. فلندن تبدو كمن يسابق الأميركي على حصة في كعكة الحوار المباشر مع طهران، بصرف النظر عن آلية مفاوضات 5+1 (الملف النووي)، وبعدما تخلت عن حماستها المفرطة لمعاقبة النظام السوري على مجزرة laquo;الكيماويraquo;، ولتسليح معارضي الأسد. وبالتزامن، تصبح المعادلة الغربية laquo;تأهيلraquo; طهران للتطبيع، بمخرجٍ آمن من معضلة برنامجها النووي، و laquo;تأهيلraquo; النظام السوري لـ laquo;تعويمهraquo; بتمديد بقائه في السلطة، ولو استتبع ذلك، التغاضي مجدداً عن دوامة القتل العبثي لآلاف آخرين من السوريين.

وجد كيري في واشنطن مَنْ يهدّئ حرارة حماسته لمنح نظام الأسد شهادة حسن سلوك مع المفتشين... عرضَ رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني مسكّنات لتهدئة مخاوف الغرب من laquo;النوويraquo;، فيما سرّع المتشددون في طهران تخصيب الشكوك حول ما يخفيه العهد الجديد. بل ان بعضهم يعود إلى ما قبل زيارة روحاني نيويورك، واعترافه بـ laquo;المحرقةraquo; النازية لليهود، ليربط بين مطالبة خامنئي laquo;الحرس الثوريraquo; بالامتناع عن التدخل في السياسة، وبين كأس العقوبات التي لم يعد المرشد قادراً على تجرّعها.

هي إذاً حرارة الصراع على laquo;مرونة الأبطالraquo; التي فُوِّض روحاني خوضها في مصارعة التطبيع، انطلاقاً من تسوية ما للملف النووي، يريد المرشد بين أثمانها كلمة مؤثرة في مسار laquo;تعويمraquo; الحليف السوري. وهي حرارة التجاذب المرير بين قلعة المتشددين، laquo;الحرس الثوريraquo;، ووزارة الخارجية، والتي أرغمت ظريف على laquo;اعتكافraquo; مَرَضي سريع في مستشفى. لكنها مجرد بداية، فلا خامنئي سيتخذ قراراً بالمواجهة مع laquo;الحرسraquo;، ولا laquo;الحرسraquo; قادر على اجتراح مخرج من مأزق العقوبات، كما عجز عن تمكين النظام السوري من حسم عسكري مع معارضيه.

لا يشبه رضوخ دمشق الكامل للمفتشين ولهاثها لإرضاء العرّاب الروسي للاتفاق laquo;الكيماويraquo;، سوى تهافت طهران وعهدها الجديد على فتح ثغرات في جدار العقوبات المؤلمة للنظام، بعدما أنهكت شرايين الاقتصاد. صحيح أن لعبة الأمم في الصراع على سورية تبدو على مسافة بعيدة من فصلها الأخير، لكن الصحيح ايضاً أن التكهن بقدرة خامنئي على إدارة laquo;مصارعةraquo; على حلبتي البرنامج النووي و laquo;الحرس الثوريraquo; في آن، شبه مستحيل، مثلما هو الرهان على تماسك ارتباط المسارين، بعد تدمير غازات الأعصاب و laquo;الكيماويraquo; السوري... وتلاعب laquo;الحرسraquo; بأعصاب laquo;بطلraquo; المساومة.