محمد الأشهب

ليس laquo;تجمع الأحرارraquo; من أنقذ حكومة عبدالإله بن كيران من الانهيار. فقد أسعفها بجرعة سرت في شرايين الغالبية الحكومية، بعد طول انتظار. لكن التزام الأوفاق الديموقراطية في ترتيب بيت السلطة التنفيذية، ونضج فصائل المعارضة الذي مكّنها من التقاط الأنفاس، كان أكبر من حسابات إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة.

على رغم كافة الاعتبارات، ذات الصلة باستقراء نتائج الاستحقاقات السابقة لأوانها، هل تفرز نفس الخريطة أم يستبدلها الناخبون بفريق جديد، تغلبت سعة الصدر، وطلعت الحكومة من حافة الهاوية، من جهة لأن حزب laquo;العدالة والتنميةraquo; انفتح على غريمه laquo;تجمع الأحرارraquo; بعد معارك طاحنة بعد اشتراعيات تشرين الأول (اكتوبر) 2011. ومن جهة ثانية لأن التحية قوبلت بأحسن منها واختار حزب laquo;الوسطraquo; الليبرالي أن يضع يده في يد الإسلاميين.

من السابق لأوانه الجزم إن كان الحزب الحاكم تعلم الكثير من دروس التحالف المنهار مع laquo;الاستقلالraquo; الذي اختار العودة إلى المعارضة. غير أن تعايش الإكراه قد يكون فرض عليه استبدال نظاراته القديمة بأخرى أكثر انفتاحاً على الآخر. ولا يبدو أن تخليه عن حقيبة الخارجية كان لمجرد إرضاء الطلبات المتزايدة لتجمع laquo;الأحرارraquo;، بل للانكفاء على الملفات والقضايا المحلية التي تضمن له حضوراً سياسياً يساعد في استمالة الناخبين.

قد يكون أدرك أن صدمة فقدان دائرة انتخابية في ضواحي فاس مؤشر سلبي. لذلك فهم أن تنازله عن قطاعات اقتصادية حيوية في الطبعة الجديدة للحكومة لفائدة laquo;الأحرارraquo;، يراد من أجل تدارك سلبيات تدبيرها. وفي مقدمها أن وزارة الحوكمة والشؤون العامة التي أثير جدال واسع حول الإجراءات التي اتخذتها ضمن ما يعرف بنظام laquo;المقايسةraquo; التي يطاول دعم الدولة للمواد الاستهلاكية الأساسية، تحولت إلى الوزير محمد الوفا الذي انشق عن laquo;الاستقلالraquo;، في إشارة إلى توريط غير مباشر للحزب المنسحب الذي فاز بدائرة مولاي يعقوب.

لا تختزل استقراءات التوزيع القطاعي في تشكيلة الحكومة الجديدة كل مجالات الصراع والمنافسة، فقد اضطر رئيس الحكومة لإرضاء شركائه الثلاثة: تجمع الأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، مكتفياً بتسجيل نقطة لفائدته من خلال إسناد الداخلية إلى شخصية تكنوقراطية غير منتمية، كما في قطاع التعليم. ولكنها تدفع إلى الاعتقاد أن رئيس الحكومة زعيم العدالة والتنمية، رغب في الالتفاف على تداعيات انتقال الإسلاميين إلى الحكم، بعد أن ووجهت بالمزيد من الانتقاد.

وبينما تحصنت تجارب أخرى في خانة الاستئثار والانفراد، وعدم الإصغاء لتقلبات الأحوال، اتجه الانفتاح على شريك سياسي، لم يبق شيء من اللوم إلا وتبادلاه معاً. والرسالة إن كان اقتضاها تأمين غالبية نيابية لتجنيب حكومته مخاطر الإطاحة عبر طلب سحب الثقة من البرلمان، فإن أبعادها تنصرف إلى تطمين باقي شركاء الداخل والخارج بما يعرف باستثناء التجربة المغربية التي شرعت، من خلال الحزب الحاكم، في إقرار مساحات أبعد عن باقي الحركات الإسلامية. والمفارقة في هذا السياق أن أشد الانتقادات لحكومته لم تصدر من صفوف المعارضة بل من صقور حزبه الذين لا يوافقونه هذا التوجه.

أبعد من ذلك أن إحالة القطاعات الاقتصادية والتجارية على تجمع الأحرار الذي يصنف بأنه أقرب إلى رجال الأعمال، قد يسمح بمعاودة فتح الحوار مع الرأسمال المحلي. وفي الوقت ذاته يبقي على التزامات الحكومة مع المؤسسات النقدية الدولية التي جلبت عليه الكثير من الانتقاد. وإذ يرى بن كيران أن تعيين حكومته الجديدة بمثابة تجديد ثقة القصر والغالبية النيابية، فإنه يميل إلى استحضار أجواء الأمل التي كانت انبعثت مع قدوم حزبه إلى الحكومة. أقله أن الرهان لا يزال قائما على تنفيذ جيل جديد من الإصلاحات الهادئة، من دون أي تشنج أو تصفية حساب.

في شكل الحكومة تطرح تساؤلات إن كان الأمر يتعلق بواقع سياسي جديد أم بمجرد تعديل جزئي. ففي الحالة الأولى يفترض أن تحوز على ثقة مجلس النواب. أما في الحالة الثانية فالحرج يطاول تجمع الأحرار الذي كان صوّت ضد برنامج الحكومة، وأصبح اليوم ملزما بتنفيذه. لكن المخرج سيكون في اختيار التوصيف الذي لا يحرج أي طرف. وهو أقرب إلى التعديل ومعاودة الهيكلة منه إلى مولود جديد. وكما استغرق النقاش وضع الطبعة الأولى للسلطة التنفيذية، إن كانت حكومة تصريف أعمال أو أقلية، فالموقف ذاته ينسحب على وضعها الراهن، لكن بأقل نسبة من التوتر. وطالما أن المعارضة المعنية بهذا التوصيف ظلت تردد أنها غير معنية بإطاحة الحكومة، بل بإنجاح التجربة، فكم من حاجة سيتم قضاؤها عبر تركها لجدال سيبدأ مع انطلاق الدورة الاشتراعية الجديدة.

فالمعارضة أكملت صفوفها بانضمام الاستقلال، وفي مقابلها أكملت الحكومة غالبيتها بانضمام تجمع الأحرار. والمجال الأرحب لتأكيد الاستثناء يبقى الصراع داخل قبة البرلمان.