حمد الماجد


الثورات العربية لم تخلخل أنظمة عربية جثمت على قلوب شعوبها عشرات السنين فقط، وإنما أربكت التيارين الليبرالي والإسلامي في مواقفهما، وقد قدمت laquo;الليبراليraquo; قبل laquo;الإسلاميraquo; لأن الليبرالية هي التي ارتبكت بصورة أشد لسبب بسيط، وهو أن منافسيها من الإسلاميين حصدوا من ثمار الثورات العربية غلة أكبر، وهي نتيجة منطقية عطفا على تجذر تيارات الإسلام السياسي في الشارع العربي مقارنة بالتيار الليبرالي، ولهذا سأفرد مقالتي هذه لمواقف التيار الليبرالي وأخصص مقالة نقدية أخرى للتيار الإسلامي.

ليس التنافس بين التيارين الإسلامي والليبرالي بدعا من التنافس بين التيارات المحافظة والليبرالية في الدول الغربية، الفرق أن التنافس بين التيارين في العالم العربي غلب عليه laquo;الخصومة الشديدةraquo; فأفقدته التوازن في تقويم الموقف، الذي وصل في الساحة المصرية لدرجة الهلع كلما لمح النظام المصري إلى فتح صفحة المصالحة التي تشمل جميع أطياف المجتمع ولا تستثني أحدا، فصار رموز التيار المدني laquo;الليبراليraquo; هم القوة الدافعة للنظام لثنيه عن المصالحة وليس العكس، كما أنها هي التي تشجعه على الحزم الشديد في التعامل مع رموز الإسلاميين. واللافت أن عددا من جمعيات حقوق الإنسان المصرية وقفت من إجراءات النظام من فض للاعتصامات والحبس على ذمة قضايا موقفا مؤيدا وصل حتى التفويض المطلق، حتى بدا مشهد هذه الجمعيات الحقوقية المصرية غريبا ولافتا بالقياس بمواقف منظمات حقوق الإنسان العالمية؛ إذ كيف تكون المؤسسات الحقوقية العالمية الأبعد ثقافة وعرقا ودينا أكثر اهتماما من الجمعيات الوطنية؟

ولأن laquo;الخصومة الشديدةraquo; هي سيدة الموقف، فقد غابت laquo;الروح المنصفةraquo; للتيار الليبرالي المصري في تقييمه للتيار الإسلامي وهو في السلطة أو في المعارضة إلا ما ندر من المواقف المتوازنة، بحيث لو جمعت عينة كبيرة من الكتابات والتحليلات واللقاءات والمقابلات في القنوات الفضائية والصحف، فلن تجد إلا صورة قاتمة ليست فيها بقعة بيضاء، ناهيك عن المبالغة في تضخيم بعض الأخطاء والإشاحة بالوجه عن بعض الإيجابيات أو التسليم بالدعاوى قبل التثبت منها. الكل يتفهم أن يكون النقد أكثر شدة عندما يكون خصومهم في السلطة، فالمعارضة، أي معارضة في الدنيا، تنزع إلى التقاط الأخطاء وتصيد التجاوزات، لكن أن يكون كثير من خصومهم تحت الملاحقات وفضائياتهم مغلقة، ثم يتواصل النقدي الشديد ضدهم فهو الوضع غير الطبيعي.. المنطق يفرض توجيه التقويم الموضوعي المتزن للنظام الجديد بصوابه وأخطائه، فهو والبلاد أحوج إليه من نقد يوجه لفصيل سياسي كل كوادره وصفوفه الأولى والثانية بين معتقل ومختف ومطارد.

وحتى الصورة الإخراجية للمشهد كله لا تبدو ذكية حين ترى كل البرامج الفضائية والإذاعية وكل تحقيقات الصحف وكل كتاب المقالات يأخذون موقفا متسقا في تمجيد النظام وlaquo;تسفيلraquo; معارضته، فهذا وإن بدا مشهدا يتشفى فيه التيار الليبرالي من خصومهم، فإنه لا يبدو متناغما مع المتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي العربي بعد الثورات العربية، الذي من ركائزه الرأي والرأي الآخر والنقد الموضوعي المتزن، وأمسى كل فرد فيه يملك صحيفته في التواصل الاجتماعي المؤثر.