حسن عبدالله عباس

نشرت الوكالات العالمية صورة حشود مؤيدة للرئيس روحاني في مطار مهرآباد لحظة عودته من المؤتمر الدولي للامم المتحدة رافعين رايات النصر مكتوب عليها laquo;امير المفاتيحraquo; كونه استطاع في مدة حكمه القصيرة ان يفتح ابواب مشاكل كثيرة.
روحاني استطاع منذ اغسطس الماضي ان يحرك ملفات اعتبرها المواطن الإيراني من المسلمات. فضعف التومان والبطالة والطرد الاجباري من النظام المالي الدولي إلى غيرها من الصعوبات الاقتصادية صارت معلقة في الذهنية الإيرانية على انها مصير مر وشر لابد من تحمله إلى ما لا نهاية. لكن منذ مجيء روحاني قبل شهرين، بدت هذه الصعوبات وكأنها تتزحزح بفضل قدرته لاستمالة الغرب وتليين مواقفه بسبب طرحه المعتدل كما تبين من خطاباته المطمئنة. هذا باختصار شديد هو شكل الصورة حاليا. لكن هل ينبغي ان نقفز ونستنتج مباشرة ان الادارة الجديدة laquo;افضلraquo; من سلفها؟
شخصيا اتحذر من استباق الاحداث والحكم بالأفضل او الاسوأ كون المقارنة بهذا الشكل ستكون إلى جانب انها متعجلة، اراها بسيطة وسطحية لحد كبير. ما اقصده ان من يريد المقارنة بين الادارتين عليه ان يستحضر ويستعرض ظروف وبيئة المحيط التاريخي والاقليمي لكل ادارة قبل التعجل. احمدي نجاد عكس المزاج للمواطن الإيراني قبل ثماني سنوات، وهي فترة تزاحمت فيها الضغوطات الدولية على إيران بعد مدة طويلة (دورتين متعاقبتين) للرئيس الاصلاحي (وليس المعتدل) السيد خاتمي. مدة خاتمي الطويلة لم تأتِ بنتائج ايجابية مع الغرب فحسب، بل ما استشعره الانسان الإيراني النقيض من ذلك تماما وبأن الغرب يريد ان يكسر عزيمته وشوكته وكرامته خصوصا في ما يتعلق بالنووي. وفضلا عن ذلك نوعية الاحزاب والانظمة التي جاءت بتلك الفترة كالمحافظين الجدد واليمين المتطرف في اسرائيل وساركوزي. فكل ذلك جعل الارضية مواتية للمزاجية المتشنجة لدى المواطن الإيراني ولشخص متشدد كنجاد ليصل لسدة الحكم. بل العكس برأيي انه كان من المستحيل ان يمسك زمام الأمر معتدل كروحاني خلال تلك المدة والظرف العالمي والاقليمي على تلك الصورة المهددة للوجود الإيراني كما رآها شعر بها الإيرانيون.
الان والامور قد تبدلت كثيرا، فالعالم جرب كل شيء من حروب مباشرة وبرامج الاحتواء وتصنيف محاور الشر وجميعها لم تأتِ بفائدة. وهذا لم يكن كله، بل ظل هذا المحور الشيطاني قادرا على التوسع وقادرا على التحدي واتمام وعوده بالمزيد من تهديد لاسرائيل وللمزيد من التخصيب. فهذا كله صار مدعاة لاعادة العالم تقييمه فتغير ورأى ان يجرب مشروعه الجديد وهو لغة التصالح التي وجدت طريقها في الملفين: السوري والنووي. من هنا يمكننا ان نتفهم ان الظروف اصبحت اكثر ملاءمة لشخص معتدل كروحاني ليدير البلد عن متشدد كنجاد. فالخطاب المعتدل والحذر هي بالتالي الديناميكية الجديدة ويريد ان يجرب كل طرف الآخر مع عدم تناسي ترك الأصابع مرخية قليلا على الزناد. لذلك ولكي تقارن بينهما (روحاني ونجاد)، عليك ان تحيد جميع الظروف الدولية المحيطة لتصل إلى نتائج اقرب للمقبولية والعقلانية من مجرد الانجراف وراء ما يعكسه الإعلام حاليا.