عبدالعزيز حمد العويشق


من المؤكد أن الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والمغرب ستزداد عمقا بالتشكيل الجديد، الذي يؤكد الاستمرارية والاستقرار، ويمثل تحالفا أوسع بين التوجهات السياسية في المغرب

أكتب هذا المقال من الرباط، حيث أُعلن عن تشكيل حكومة جديدة يوم الخميس الماضي (10 أكتوبر)، هي النسخة الثانية من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، ولكن بتحالف جديد أوسع من السابق. وفي الوقت نفسه، اختتم وفد مجلس التعاون اجتماعات مع المسؤولين المغاربة انتهت بإعلان تشكيل ثماني لجان للإشراف على تنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار quot;الشراكة الاستراتيجيةquot; بين المجلس والمغرب، بالإضافة إلى لجان أُخرى من المتوقع تشكيلها قبل نهاية العام.


وقد تصادف تأسيس الشراكة الاستراتيجية بين المغرب ومجلس التعاون مع تعيين عبدالإله بن كيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، رئيساً للوزراء بعد فوز حزبه بأكبر نصيب من المقاعد البرلمانية في انتخابات نوفمبر2011. وكان اختيار الملك محمد السادس لبن كيران رئيساً للوزراء في ذلك الوقت مؤشراً على بُعد النظر والمرونة للتعامل مع التغيرات التي أفرزت تلك النتائج. وظن بعض المراقبين أن ذلك التعايش لن يستمر طويلاً، أو أن الحكومة الجديدة وقتها لن تكون متحمسة للشراكة مع مجلس التعاون. وقد خابت تلك الظنون.
وقد مرّ حزب العدالة والتنمية وزعماؤه برحلة طويلة انتقلوا فيها من التشدد إلى الاعتدال والقبول بالعملية السياسية السلمية. وقد كافأهم الناخب المغربي على هذا التحول بمنحهم أكبر نصيب من المقاعد البرلمانية في انتخابات2011. ولأنه لم يفز بالأغلبية (حصل على 27% فقط من المقاعد)، احتاج الحزب لتكوين تحالف أكبر لكي يتمكن من تشكيل حكومة تفوز بثقة البرلمان.
واتخذ الحزب خطوة أخرى جعلته أكثر قبولاً للمغاربة ولجيرانهم المتوجّسين من الأحزاب الإسلامية. فخلافاً لأحزاب إسلامية أخرى، نأى الحزب بنفسه عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأكد على توجهه المغربي الوطني.
ولكن التحالف الذي يقوده الحزب، والذي حكم المغرب منذ يناير 2012، واجه نكسة منذ أشهر، حين انسحب منه حزب الاستقلال العريق في يوليو 2013، مما أفقد الحكومة أغلبيتها البرلمانية وهددها بالسقوط. ولكن المفاوضات المضنية التي استمرت عدة أشهر لمعالجة الخلل تكلّلت بالنجاح الأسبوع الماضي حين انضمّ حزب التجمع الوطني للأحرار، من يمين الوسط، إلى التحالف، وحصل مقابل ذلك على ثماني حقائب وزارية.
وعقب ذلك، وافق الملك محمد السادس على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة بن كيران، مؤذناً بنهاية الأزمة. وقد فاجأ التشكيل الجديد المراقبين، ليس فقط بعدد الحقائب الوزارية غير المسبوق، ولكن لأنه ضم بين صفوفه ست نساء، مقارنة بسيدة واحدة في التشكيل الماضي، فضلاً عن عدد من الشخصيات البارزة في التجارة والحكم المحلي.
ولفت النظرَ خاصةً مرونةُ الحزب بالتخلي عن حقائب مهمة، مثل وزارة الداخلية التي أعطيت لمستقل، ووزارة الخارجية التي أعطيت لصلاح الدين مزوار رئيس التجمع الوطني، الشريك الجديد في الحكومة، ليحل محل سعد الدين العثماني، الوزير السابق، والطبيب النفسي والفقيه المعروف، ومن أبرز أعضاء العدالة والتنمية.


وبالمثل، عُيّن حفيظ العلمي، وهو رجل أعمال ورئيس سابق لغرفة التجارة واتحاد المقاولين، وزيراً للصناعة والتجارة والاستثمار، أما الوزيرات الجديدات فيلاحظ تنوع انتمائهن السياسي وخلفيتهن المهنية. فإلى جانب احتفاظ الوزيرة السابقة بسيمة الحقاوي بوزارة المرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، تم تعيين خمس نساء أعضاء في الحكومة، إما بدرجة وزير أو quot;وزير منتدبquot;، أي الشخص الثاني في الوزارة. فعُينت فاطمة مروان وزيرة للصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وعينت السيدات الأربع الأخرى بدرجة quot;وزير منتدبquot;، إيذاناً بتحضيرهن لتولي المناصب الأولى مستقبلاً، ويمثّلن الجيل الجديد في السياسة المغربية من المهنيين عالي التأهيل والنشطين في خدمة المجتمع. فعُينت مباركة بوعيدة في الخارجية، وسمية بن خلدون في الخارجية، وشرفات الفيلال وزيرة منتدبة لشؤون المياه، وحكيمة الحيطي للبيئة.
ومن المؤكد أن الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والمغرب ستزداد عُمقا بالتشكيل الجديد، الذي يؤكد الاستمرارية والاستقرار، ويمثل تحالفاً أوسع بين التوجهات السياسية في المغرب.
ففي ديسمبر 2011، بادر مجلس التعاون لدعوة المغرب للدخول في شراكة استراتيجية في جميع المجالات. ومنذئذٍ، تعمّقت الصلات بين الجانبين، وتمثل اللجان المشتركة الجديدة التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي في الرباط، خطوةً مهمة في تلك الشراكة، حيث سيعمل خبراء ومسؤولو الجانبين على تحقيق التكامل بينهما في مجالات التجارة والاستثمار، والطاقات المتجددة والبيئة والموارد الطبيعية، والسياحة، والتعليم والتدريب، والثقافة، والشؤون القضائية والقانونية. ويشمل كذلك مجالات التنمية الاجتماعية والشباب والمرأة، حيث حقق المغرب نجاحات ملموسة، كما رأينا في تشكيل الحكومة الجديدة يوم الخميس الماضي. وعندما يلتقي ممثلو مجلس التعاون والمغرب قبل نهاية العام، فإن من المتوقع أن يمتد نطاق التعاون ليشمل مجالات أخرى تُعمّق هذه الشراكة الاستراتيجية.
وبالإضافة إلى الحوارات الرسمية، شجع الجانبان ممثلي قطاع الأعمال على الاستفادة من الفرص التي تقدمها الشراكة المغربية الخليجية، وعقد لهذا الغرض مؤتمر الاستثمار في المغرب في مايو 2013. وموازياً لذلك، أسّس مجلس التعاون برنامجاً لتمويل مشاريع التنمية في المغرب، تم تخصيص خمسة مليارات دولار فيه للفترة 2012-2017.


وتمثل المساعدات التنموية، واجتماعات الخبراء والمسؤولين، واللقاءات بين ممثلي قطاع الأعمال، عناصر رئيسة في الشراكة الاستراتيجية التي تم تأسيسها بين المغرب ومجلس التعاون.
ويمثل المغرب في الوقت الحاضر واحة للاستقرار، ومثالاً ناجحاً للتطور السلمي امتد نحو أربعة قرون، حين تأسست الأسرة المالكة المغربية على يد مولاي الرشيد في عام 1666. وعلى الرغم من الصراعات الداخلية والإقليمية، والعدوان الأجنبي والحكم الاستعماري الفرنسي-الإسباني، فقد تمتعت الأسرة المالكة بدعم الشعب المغربي في وجه تلك التقلبات والمحاولات الأوروبية لتفتيت المغرب وإضعاف وحدته وصموده.
وربما كانت قدرة النظام السياسي المغربي على الاستجابة لتلك الظروف الاجتماعية والسياسية الداخلية، وحكمته في التعامل مع المتغيرات الدولية والإقليمية، أحد أسرار نجاحه واستقراره، فيما أصبح يُعرف بـquot;الاستثناء المغربيquot; في المحيط العربي.
ولكن ذلك لا يعني أن المغرب لا يواجه تحديات جسيمة، اقتصادية وسياسية ملحة، لعلّ الشراكة الاستراتيجية الخليجية المغربية تسهم في مواجهتها، ولعلّي أستطيع العودة إليها في مقال قادم.