زهير قصيباتي

ليس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مجرد حاضر غائب في مفاوضات جنيف حول الملف النووي الإيراني. بدا بامتياز أكبر مفاوض لـ laquo;خصمraquo; ظل على مدى سنوات يدعو الى laquo;محو إسرائيلraquo;، حتى أقنعه سيف العقوبات بـ laquo;واقعيةٍraquo; و laquo;مرونة أبطالraquo; قلّ مثيلها... إذا نسينا كيف رضخ النظام السوري، وسلّم أنيابه الكيماوية.

في حسابات إسرائيل، وأهدافها، لا بد أن ترضخ إيران ايضاً، وبما يتجاوز البيانات الرسمية التي تلوّح للغرب بالنية الحسنة، في مقابل شراكات إقليمية في ملفات شائكة. والحال أن نتانياهو لم يكذب حين كرّر مرات أن سيف العقوبات الدولية قطع كثيراً من شرايين الاقتصاد الإيراني، ولولا ذلك لما بادر المرشد علي خامنئي الى الاستنجاد بـ laquo;مرونة الأبطالraquo; الذين راوغوا مع الأوروبيين و laquo;الشيطان الأكبرraquo; لأكثر من عشر سنين.

لدى المرشد هولاء laquo;أبطالraquo; ولو اعترفوا بـ laquo;المحرقةraquo; النازية لليهود، ولو مدوا أيديهم إلى laquo;الشيطانraquo;، أما السؤال لماذا إذاً أُهدِرت تلك السنوات على تهديد ووعيد، وحرمانٍ للشعب الإيراني من الاستقرار المعيشي الاقتصادي، فهو سؤال يحيل على آخر من نوع: ماذا لو كرر الرئيس laquo;المعتدلraquo; حسن روحاني نهج الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، والذي محاه محمود أحمدي نجاد بعصا العنتريات؟

مشهد المفاوضين في جنيف على ملعب laquo;النوويraquo; الإيراني، سيغدو حدثاً عادياً، ومحاولات التقارب بين طهران وواشنطن تجاوزت مؤشرات الغزل: بين إغراء إيراني للرئيس باراك أوباما بـ laquo;تخليد ذكراهraquo; في أميركا، وجزرة لتخفيف العقوبات المفروضة على إيران، بل أن لندن زايدت على واشنطن بتسريع عقارب ساعة التطبيع الديبلوماسي.

وحده نتانياهو اعترض قطار رفع الحصار الاقتصادي سريعاً، فيما كانت عين روحاني على الأول لئلا يُحبِط مشروع الصفقة مع الغرب. لذلك، حرص الوفد الإيراني إلى جنيف على إضفاء طابع السرية على اقتراحه، وإن ارتبك في مسألة الإذعان لتفتيش مفاجئ للمنشآت النووية.

ولم يخلُ من مفارقة حرص وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على الذهاب الى جنيف رغم آلام ظهره، كأنه يوجّه رسالة إلى المتشددين في إيران بأن العقوبات المؤلمة التي تكاد تقصم العمود الفقري لاقتصاد بلاده، لن تُرفع إلا بتنازلات مؤلمة أيضاً.

والأكيد، بضغوط نتانياهو أو من دونها، أن الغرب لن يتخلى عن مطلبه الأول منع إيران من تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المئة، والتي تمكّنها من امتلاك القدرة على صنع قنبلة ذرية. في المقابل، لن تتسنى مبكراً معرفة استعداد مجموعة الدول الست لربط أي اتفاق على الملف النووي الإيراني بسلّة تفاهمات حول الأمن الإقليمي، أو تقاسم أدوار على مسرح احتواء تداعيات laquo;الربيع العربيraquo;. بديهي أن المقايضة أقصى ما تطمح إليه طهران، لكن السؤال ما زال يتجدد حول رغبة laquo;الكبارraquo; في تأهيل دولة كبيرة لتفويضها أدواراً حساسة في مرحلة مواجهة الحروب الطائفية- المذهبية و laquo;الحرب على الإرهابraquo; والعنف.

وفي حين يتصلّب بعض الأوروبيين إزاء النيات الإيرانية، ويشككون في قدرة خامنئي على تأهيل laquo;الحرس الثوريraquo; لدور حارس الصفقة- بعد ما أبلاه الحرس في سورية والعراق- يشاطرون الإسرائيلي هواجسه حيال اندفاعة أميركية سريعة للتطبيع مع قوة كانت على مدى عقد ونيف laquo;راعية للإرهاب في العالمraquo;، أو حارساً لـ laquo;محور الشرraquo; الإقليمي.

أياً يكن المسار المؤلم للجمهورية الإسلامية التي ركبت قطار التطبيع مع laquo;الشيطان الأكبرraquo;، فواضح أنها تسعى الى الإفادة من الدرس السوري. وبدلاً من أن تفاوض على تقنين laquo;التخصيبraquo; وحده، أو ترضخ لتفكيك كل منشآتها النووية، تراهن على دخول نادي الدول النووية laquo;السلميةraquo;، وعدم ترك إسرائيل وحدها القوة المهيمنة وسط أنواء ربيع العرب، وانهيارات دولهم ومؤسساتهم، واستنزاف جيوشهم في معارك laquo;القاعدةraquo; وأذنابها.

في جنيف laquo;النوويةraquo;، تسعى إيران الى بناء الثقة مع الغرب على طريقة النظام السوري مع إسرائيل التي لم يؤرّقها يوماً في الجولان. بهذا المعنى، يثق الغرب بأن ما كان يسمّى laquo;محور الشر في المنطقةraquo; جدير بالثقة، ما أن يبرم صفقة.

تتسابق إسرائيل وإيران على اقتسام أدوار إقليمية لـ laquo;محاصرة نار الربيعraquo;... ينهمك العرب في تقديم الضحايا لربيع القتل والدمار.