بكر عويضة

جلست مساء أول أيام العيد أطلب الراحة بعد تعب السفر خلال النهار. التقطت جهاز الريموت كونترول أريد التقاط إرسال بضع قنوات أتنقل بينها لمتابعة أخبار هذه الدنيا. توقفت عند محطة laquo;روسيا اليومraquo; الإنجليزية، ورحت أنتظر انتهاء ما حسبت أنه إعلان تجاري مصحوب بموسيقى ناعمة، حالمة، بدت لي رومانسية، كي أكتشف بعد أقل من دقيقة، أن الحالم هو أنا، لا القناة، فما أرى إعلانا بالفعل، لكنه يخص المحطة ذاتها وليس يسوّق لسلع محددة، بتعبير أدق هو تنويه يبلغ الجمهور أن القناة تخضع لصيانة مجدولة بين الثامنة من مساء ذلك النهار وحتى السادسة صباح الأربعاء، وفق توقيت غرينتش. وللتوثيق هنا نص التنويه:

SCHEDULED MAINTENANCE

GMT 8:PM ndash; 6:00AM

أفقت من المفاجأة لأواجه أخرى؛ إذ بدا لي الأمر غريبا، فلم أسمع من قبل أن محطة تلفاز عالمية يمكن أن تتوقف عن البث عشر ساعات، ربما أقل، أو أكثر، التزاما بجدول صيانة مسبق، ويبدو أن جو العيد اقتحم المشهد فتمتمت: يمكن الجماعة في موسكو معيدين اليوم.

حسنا، الأفضل أن أسارع إلى وضع مسافة بين الجد والهزل. الواقع أن روسيا اليوم، الدولة لا القناة، موضوع جدير أن يوضع على الدرجة التي يستحقها من اهتمام خزانات التفكير في العالم العربي. ومع أن دوائر صنع القرار الرسمي تولي الشأن الروسي ما يستحق من متابعة، يبقى من الضروري الاستعانة بخبرات دارسي العلوم الاستراتيجية، على اختلاف مدارسهم، سواء فيما يخص روسيا أو غيرها، فمن دون تحليل يغوص في العمق، يظل الفهم سطحيا، والمنطق يقول إن آخر ما يريده أي سياسي هو أن يوصف أي قرار له بالسطحي أو العشوائي.

واضح أن روسيا بوتين باتت تفرض حضورها المؤثر على المسرح الدولي. تطورات عامي 2011 و2012 في العالم العربي فتحت الأبواب واسعة أمام عودة 2013 القوية للمنطقة. هل يمكن تصوّر أن يمر تنفيذ أي قرار ضمن المشهد الشرق أوسطي، ولا أعني بمجلس الأمن، فذلك تحصيل حاصل، وإنما أيضا قرارات الأطراف المحلية، من دون رد فعل للكرملين يتجاوز الاكتفاء بالقول؟ لا أظن. مفاجأة نزع فتيل الضربة الأميركية لسوريا باقتراح تدمير سلاحها الكيماوي، تصلح دليلا على ذلك. هي خطوة أثبتت أن laquo;قيصرraquo; روسيا اليوم الذي يقف بالمرصاد لخصوم حرب باردة جديدة، لم يتردد أيضا في الدفع باتجاه تقليم أظافر الحليف السوري الكيماوية، سواء كان استخدام الكيماوي جرى باستشارة موسكو، وهو أمر مستبعد، أو من دونها.

ومع أن دور روسيا في السياسة الدولية بدأ التحرك صعودا منذ زمن بوريس يلتسين، واستمر نشطا أثناء رئاسة ديمتري ميدفيديف، ولم يعد ممكنا تجاوزه مع الرئاسة الثانية لفلاديمير بوتين، فإن المبالغة في التوقعات ليست واقعية أيضا. فالملاحظ أن بعض الأصوات العربية يتحدث عن المتوقع من قرار روسيا اليوم، في الشأن العربي تحديدا، وكأن الجالس في الكرملين هو ليونيد بريجنيف، بمعنى أن هناك من يراهن على احتمال ذهاب موسكو إلى أي مدى، وبصرف النظر عن متطلبات مصالحها، فقط لأجل إرضاء أصدقائها العرب. كلا، ذلك زمن مضى، ومثلما هو ضروري الكف عن الاستخفاف بالدور الروسي، كذلك من الأفضل والأسلم التوقف عن توقع كل ما هو غير واقعي.