أمجد عرار

خطباء صلاة العيد في العراق صرخوا بصوت مرتفع داعين إلى وحدة الصف ونبذ الطائفية ورفض القتل المتنقّل بلا معنى ولا هدف يرضي العابد والمعبود . أكثر من خطيب أفهم سامعيه أن سبب الدمار وإرباك الأوضاع في العراق هو الفساد الإداري والمالي في المؤسستين الدينية والسياسية . هذا صحيح، لكن بعضهم وهو يدعو إلى الوحدة بطّن حديثه بالفتنة، فأفسد نصفُ الكلام نصفَه الثاني .

لا يستطيع متحدّث من أية جهة في العراق أن يشكو معاناة الطرف الذي يتحدث باسمه، لأن كل الأطراف فيها طابور من القتلة والمقتولين، ومن كان من الساسة ورجال الدين العراقيين بلا خطيئة، ldquo;فليرجمها بحجرrdquo;، وبهذا المعنى يكون أي كلام يتناول طرفاً بالتنزيه وآخر بالشيطنة، رافداً لنهر التحريض والقتل العشوائي وصباً للزيت على نار الفتنة .

بعض الخطباء رأى أن صفاء السياسيين سيجعل العراق يمر من هذه المحنة . كلام صحيح، لكن تنقصه الدعوة إلى صفاء رجال الدين أيضاً، فلا يكفي أن يقال إن القتل حرام، وإن التهجير يراد منه إذكاء الطائفية التي حصدت عشرات آلاف العراقيين . ما هو مجدٍ ومفيد ويضع الإصبع على الجرح، أن يكف كل ذي صعود على منبر خطابة، سياسياً كان أم دينياً، عن أي تحريض على ldquo;الآخرrdquo;، وأن يتوقّف عن اجتزاء جزء من الأمة ويعيّن نفسه ناطقاً باسمه، لأن من شأن هذه الطريقة أن تذيب الفرق بين الصالح والطالح، وبين الصادق والكاذب، وبين العفوي والقاصد، وبين الأصيل والدخيل، والوطني والعميل، والنظيف والانتهازي .

الدعوة إلى تثبيت أواصر المحبة والوحدة بين أبناء الشعب الواحد على مختلف مكوناته لتفويت الفرصة على أعدائهم، تتطلّب منهجاً وخطاباً سياسياً ودينياً متكاملاً يعمم في كل أماكن العبادة ووسائل الإعلام، يقوم على النبذ الحاسم ورفع الغطاء عن كل من يدعو إلى الفتنة ويحرّض طائفة على أخرى باسم الحفاظ على هذه أو تلك .

مثل هذه الدعوة لكي لا تبقى غباراً متطايراً، ينبغي أن تجري ترجمتها إلى خطة عمل مكثّف، تبدأ بتكثيف اللقاءات الحوارية بين مختلف مكونات الشعب العراقي، وتغطية هذه اللقاءات بالصوت والصورة بشكل شبه يومي، وتجريم وتحريم التحريض الطائفي والمذهبي، والمسّ بمقدّسات الآخرين ورموزهم، وإخراج من ينتهجون التكفير من دائرتي الوطن والدين، ولتروّج قاعدة تقول ldquo;كافر من يكفّر ومجرم من يقتل وعميل من يفرّقrdquo;، أياً كانت الصبغة التي يصبغ بها خطابه السياسي أو الديني .

آن للعراقيين، كما غيرهم من شعوب العالمين العربي والإسلامي، أن يفهموا ويدركوا أن الحروب الطائفية لا غالب فيها ولا مغلوب، وأنه ما من طائفة تمكنت عبر التاريخ من إنهاء وجود طائفة أخرى . آن لهم أن يرحموا أنفسهم وألا يحطّموا أرضية سفينتهم بأيديهم، وأن يضعوا حداً لاستهداف الأبرياء وقتل العلماء، وأن ينهض الوطنيون والصادقون منهم ليُخرِسوا الأصوات النشاز التي تنعق مثل البوم لخراب العراق . ليس أمام أبناء هذا البلد الذي استمدت العراقة معناها منه، إلا أن يعملوا صفاً واحداً لكي يعيدوا للعراق أخلاقه الأصيلة وقاموسه الذي لم يكن للطائفية فيه أي وجود، وأن يكرّسوا قاعدة ldquo;الدين لله والوطن للجميعrdquo; .