خليل علي حيدر

المساعدات المالية مهما كان حجمها قد لا تحل مشاكل مصر إن لم توضع الخطط السليمة

في مصر منذ يناير 2011 ثورة عريضة. وفيها منذ ذلك الوقت مشاكل سياسية وصراعات حزبية ومعاناة اقتصادية ومعركة واسعة مع الاسلام السياسي في المدن ومع الارهاب في شبه جزيرة سيناء.. فلماذا تفتح على نفسها جبهة نزاع بهذا الاتساع مع الولايات المتحدة؟
ما الفائدة التي ستجنيها مصر من مثل هذا التهجم عبر الاعلام التلفزيوني والصحافي والانترنت على قوة دولية بحجم امريكا؟ المصريون يتهمون امريكا بالتحالف مع الاخوان المسلمين، وبأن الولايات المتحدة كانت ولا تزال تمهد لوصول الاخوان الى السلطة لتحقيق مؤامرة واسعة تشمل اقامة دولة فلسطينية في سيناء وتقسيم مصر والعالم العربي وتفتيت الجيش المصري وقوى المنطقة كلها.
لا مجال الآن لمناقشة كل هذه الاتهامات، وقد تكون فيها بعض عناصر الصحة والكثير من المبالغة، ولكن ما الذي تستطيع مصر ضمن ظروفها الحرجة ان تحققه من خلال تصعيد الهجوم الاعلامي؟ ان الولايات المتحدة ملتزمة كما هو معروف بتقديم مساعدات مدنية وعسكرية لمصر بالمليارات منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. وقد أصبحت مصر بالفعل ثاني اكبر دولة تستفيد من المساعدات العسكرية الامريكية بعد اسرائيل. ولقد اخذ النظام السابق، نظام حسني مبارك، الكثير من المساعدات الامريكية دون ان ينفقها بحكمة. وربما كانت الثورة المصرية عام 2011 مفاجأة للولايات المتحدة اكبر من سابقتها في ايران عام 1979، عندما فقدت امريكا ضمن فترة زمنية اطول قاعدة اساسية لها في المنطقة، في حين كان على الولايات المتحدة التأقلم مع وضع جديد سريع التطور، يتضمن مباشرة، الى جانب فقدان حليف معروف، مخاطر تمس كذلك امن اسرائيل.
جرى الحديث عن تقديم المساعدات العربية لمصر بعد شهرين او ثلاثة من الثورة. وقد جاء في الاهرام العربي، 2011/4/2، نقلا عن دبلوماسي عربي، laquo;ان المملكة العربية السعودية تبحث تقديم مساعدات لمصر بديلة للمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة في حال قررت واشنطن قطع تلك المساعدات، وذلك بهدف تخفيف الضغط الامريكي على الجيش المصري. وقد جاء تصريح الدبلوماسي العربي بعد ان اشارت تقارير خليجية، هي السعودية والكويت والامارات، تدرس تقديم مساعدات بقيمة خمسة مليارات دولار للجيش المصري، في حال قررت الادارة الامريكية وقف المساعدات التي تقدمها لهraquo;.
ولكن ليس من الحكمة في شيء في اعتقادي، ان تختار مصر بين العون الامريكي والمساعدات العربية الخليجية، وهي لا تملك الفرصة والفسحة لان تغوص مرة اخرى، كما في المرحلة الناصرية، في الصدام مع الاستراتيجية والمصالح الامريكية الا في حدود تجنب المخاطر الحقيقية المباشرة وترك laquo;ما يهددraquo; العرب للعرب. فالاولوية المصرية الآن استقرار مصر والفراغ من الدستور والانتخابات واعادة الهدوء والسلام الى الحياة العامة والانتاجية الى الاقتصاد المصري الزاخر بالموارد ومجالات الاستثمار.
فالمساعدات المالية مهما كان حجمها قد لا تحل مشاكل مصر، وبخاصة ان لم توضع الخطط التنموية السليمة، ويتم القضاء على الفساد ويعاد احياء موارد الدخل الاساسية وبخاصة السياحة والتصدير واستعادة مكانة مصر الدولية. فلا غنى في كل هذا عن امريكا وأوروبا مهما كانت الاختلافات والشكوك.
لقد كتب الصحافي القدير laquo;مأمون فنديraquo; في نفس الفترة laquo;الشرق الأوسط 2011/3/3raquo;، يدعو العرب والمصريين للتعامل بمسؤولية وحكمة مع الاموال القادمة، فقال: laquo;ليتعظ العرب الذين يناقشون مسألة دعم مصر من تجربة الولايات المتحدة مع مصر، فقد قدمت امريكا الى مصر معونات وخصم ديون تصل بمجملها الى ما يقرب من مائة مليار دولار منذ عام 1979، اي ما يساوي بسعر السوق الاموال التي دفعتها امريكا لاعادة اعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية فيما يعرف بـlaquo;المارشال بلانraquo;، اي خطة مارشال لاعمار اوروبا. الاموال الامريكية التي دفعتها امريكا لأوروبا، ولكن الفارق الجوهري هنا ان هذه الاموال عمرت أوروبا كلها بعد الحرب العالمية، في حين يعرف الجميع الآن بعد سقوط النظام الى اين ذهبت اموال المعونة الامريكية.. الاموال التي عمرت أوروبا كلها لم ترصف شارعا واحدا في مصر، بل ذهبت الى جيوب النظام.. فرجاء يا اخواننا العرب، لا تكرروا التجربة ذاتها بعد الثورة، وشكراًraquo;.
ربما كانت لامريكا اذن ولا تزال، توقعاتها كدولة عظمى مثقلة بالمشاكل، من ان تستفيد من مسارات الثورة المصرية وصراعاتها واجنحتها. وربما كانت القضية اعقد. ولكن مشكلة مصر، كما يفهم الكل، ليست laquo;مخططات امريكاraquo;.. بل laquo;بناء مصر جديدةraquo;! مصر عصرية قوية الاقتصاد قليلة الفساد، متعددة الامكانيات، تستغني عن المساعدات.