مفتاح شعيب

يأتي استهداف قوات حفظ السلام الدولية في إقليم دارفور السوداني في مناسبتين ومقتل أربعة منها ليجلب الانتباه إلى العنف المتصاعد في المنطقة والصراع الدائر على الموارد والأرض بين القبائل والقوى المتمردة، كما يزيد من تعقيد الوضع في السودان برمته على خلفية الاحتجاجات الأخيرة على قرارات حكومية برفع أسعار المحروقات .

ردود الفعل الدولية توافقت على التنديد باستهداف الجنود السنغاليين الثلاثة والمراقب الزامبي، وطالبت الحكومة السودانية بفتح تحقيق فوري في الحادثتين وسوق المسؤولين عنهما إلى القضاء، ويحمل الطلب إدانة غير مباشرة للخرطوم بأنها المسؤولة عما حدث، في حين تؤكد الوقائع الميدانية أن الإقليم تتنازعه الميليشيات المتمردة وتستوطنه النزاعات التي تخلف عشرات القتلى أسبوعياً والمئات من المهجرين والمشردين عبر الحدود إلى تشاد وليبيا وحتى أوروبا عبر قوارب الهجرة غير الشرعية .

ما من شك في أن استهداف أي قوات مهمتها حفظ السلام واحتراماً لقبعاتها الزرق يجب أن يدان، ولكن التوقف عند الحدث وتجاهل أسبابه لن يحل المشكلة . فالقوات الدولية، وفي أغلبها إفريقية الجنسية، تعرضت لأسوأ هجمات عليها قبل ثلاثة أشهر بمقتل 8 جنود وجرح 16 آخرين، يضافون إلى أربعة قتلوا قبل عام من الآن، واللافت أن الاستهداف يتم بكمائن محكمة، ومن ثم يتم تحميل الحكومة المركزية في الخرطوم المسؤولية وتجري مطالبتها بتقديم الجناة إلى العدالة . ولكن حكومة الخرطوم لا تملك السيطرة التامة على دارفور مثلما هو حالها في العديد من مناطق السودان، ومطالبتها بالقيام بشيء لا تملك فيه المبادرة يعني هروباً من الواقع، والتغاضي عن حقائق عديدة قد يؤدي الكشف عن بعضها إلى إيضاح ملابسات كثيرة .

لقد تزامن مقتل عناصر من قوات ldquo;يوناميدrdquo; مع تعثر اتفاقيات السلام المبرمة بين الحكومة السودانية وجماعات متمردة في دارفور، كما أخفقت وساطات حكومية لتسوية نزاعات قبلية تندلع بين فينة وأخرى، ومثلما أن الإقليم المتوتر منذ عشر سنوات لم يعد المنطقة الوحيدة في السودان التي تعرف التمرد والقلاقل، إلا أنه يظل الأكثر اضطراباً، مستفيداً من التراجع الكبير لسلطة الدولة ووجود حدود مفتوحة من الشمال والغرب على تشاد وليبيا التي تنشط فيها عصابات الجريمة وتهريب السلاح . وبموازاة ذلك، هناك تغلغل مسكوت عنه للجماعات المتطرفة بما فيها تنظيم القاعدة . فكثير من التقارير تؤكد أن هذا التنظيم قد ldquo;فتحrdquo; إقليم دارفور وجعله ldquo;أرض جهادrdquo;، وأول أهدافه سيكون ضرب عناصر الاستقرار ودعم الأمن، ومنها القوات الإفريقية العاملة تحت راية الأمم المتحدة، فعمليات قنص هذه القوات تماثل استهداف قوات ldquo;أميصومrdquo; في الصومال، وعندما يحصل تحقيق جاد في الاعتداءات المتكررة من الممكن جداً أن يوجد خط رابط بين الحالتين . وفي ظل تطابق المعطيات حول انتشار حزام للتطرف من الصومال إلى مالي، فإن إقليم دارفور لن يكون بمنأى عن كل ذلك، وقد يتحول إلى منطقة عمليات واسعة للجماعات المتطرفة التي يخرج بعضها من بين الفصائل المتمردة وتنضم إليها أخرى قادمة من أقاليم بعيدة .