ثائر الزعزوع


لا ينفك النظام السوري يكرر عبارته المأثورة عن التزامه بالعملية السياسية باعتبارها حلاً وحيداً للأزمة التي تتعرض لها البلاد منذ أكثر من عامين ونصف، وقد رددت القوى العظمى والصغرى هذه المفردة ترداداً ببغائياً دون توضيح معنى تلك العملية السياسية أو ما هو مرجو منها، وما هي الضفة التي ستقود إليها، وقد بادر بشار الأسد فعلاً إلى وضع تصوره للحل السياسي في خطاب ألقاه في قاعة الأوبرا في دمشق في كانون الثاني / يناير من العام الجاري، وأوعز لحكومته بأن تبدأ بتنفيذ برنامجه السياسي، والذي يتلخّص في بقائه على الكرسي أطول فترة ممكنة، بغض النظر عما ستفضي إليه النقاشات التي تديرها الحكومة مع quot;المعارضينquot; وهنا ينبغي التدقيق على كلمة المعارضين كثيراً، لأنهم، على ما يبدو، هم المعنيون أولاً وأخيراً بالتحاور مع الحكومة، من أجل الوصول إلى بر الأمان، طبعاً من يقرأ تفاصيل خطة الحكومة لتنفيذ البرنامج السياسي الذي أطلقه الرئيس الأسد لحل الأزمة السورية لن يعثر فيه على أي من شعارات الثورة التي رفعتها، وفي مقدمتها بطبيعة الحال رحيل الأسد نفسه عن سدة الحكم، إذ كيف لواضع برنامج سياسي يتحول لمنهاج عمل أن يغادر quot;السفينةquot; ووفق هذه الرؤية الأسدية بامتياز يتم التفاوض على حل سياسي، له عديد من البنود والمراحل، والإجراءات التي يشارك فيها وزراء النقل، والمواصلات، و العديد من الوزراء الآخرين، و جرياً على عادة الخطط الخمسية، فإن تلك الخطة التي وضعها الأسد هي شبيهة إلى حد كبير بمشروعه الإصلاحي الوهمي الذي أطلقه في بداية توريثه خلفاً لأبيه، فعلى عكس السرعة الخاطفة التي تم فيها تعديل الدستور ليتناسب مع عمره، فإن كل شيء آخر في البلد الرازح تحت حكم quot;العائلةquot; هو خاضع لأحكام التسويف، وبالعودة إلى حشود المعارضين التي تنتظر توجيهات سادته للبدء بعمليتها السياسية فإن بشار الأسد وكل من يدور في فلكه قد أسقطوا كل احتمال في أن يتحاوروا مع المعارضة الخارجية، تلك التي ألصقوا بها تهمة الخيانة العظمى وتنتظر بعض وجوهها المعروفة أحكام قضائية قد يصل بعضها إلى الإعدام في حال دخلوا سوريا سواء من بابها العريض أم من بابها الضيق، واستطراداً فقد أعلن عمران الزعبي وزير الإعلام في حكومة الأسد وفي لقاء تلفزيوني عقب لقاء الأسد مع التلفزة الأميركية أن كل أولئك المعارضين هم quot;ملوثونquot; وأن الدستور الذي كان هو ،الزعبي، أحد آبائه المعينين من قبل الأسد، واحد من أعظم دساتير العالم الحديث، ولا يمكن وضع ما هو أفضل منه، ولم يقدم ،الزعبي، ولا أي واحد من تلك اللجنة دليلاً واحداً يقنع سامعيهم بأن كلامهم صحيح، المهم أن المعارضة تقسم إلى قسمين قسم داخلي، ويقصد بهم أولئك المنضوين تحت عباءة الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها حزب البعث الحاكم، ومعارضة خارجية وهم أولئك الذين لم يدخلوا بعد تحت عباءة الجبهة لكنهم دون أدنى شك نجوم تلفزيونيون يكثر ظهورهم على الشاشات، وبعضهم تمت مكافأته سلفاً بمنحه كرسياً في مجلس الشعب يناسب مواقفه الوطنية الداعمة للسيادة الوطنية في وجه المؤامرة الكونية، وهذه العبارات الرنانة هي اختصار للوقوف إلى جانب الأسد، لأن أي انتقاد لوجود الأسد في السلطة تكون محاكمته أو التهمة الموجهة إليه هي وهن عزيمة الأمة كما حدث معي أنا شخصياً.

عليه فإن أياً من quot;ائتلاف الجرباquot; أو quot;مجلس أسطنبولquot; والتوصيف هنا مستقى من إعلام النظام، غير معنيين أصلاً بالحل فهم خونة، ولا يمكن التعامل معهم، ويبقى إذاً أن يعيد بشار الأسد ترتيب بيته الداخلي ويقدم للعالم نموذجاً من حل سياسي استثنائي، أبقاه هو على سدة الرئاسة وجاء بمعارض من وزن قدري جميل مثلاً ليتبوأ رئاسة الحكومة، فيما ستظل المؤسسة الأمنية بكامل قوتها سيفاً مسلطاً على رؤوس العباد، وستشرف هي أيضاً على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وأي انتخابات أخرى لتضمن نزاهتها، وساعتها تعالوا وتفرجوا على النزاهة، هذا هو مفهوم الحل السياسي الذي يناقش الأسد من أجل الوصول إليه، وهو لا يعترف بأي حلول قد تقدم.


فهو قال مرات عديدة إن حل الأزمة السورية سيتم بأيد سورية فقط، طبعاً الخونة وفق هذه الرؤية ليسوا سوريين، بل إن ثمة دعاوى عديدة تقودها منظمات ونقابات تابعة للبعث الحاكم من أجل إسقاط الجنسية عن المعارضين وقد بدأها اتحاد الكتاب العرب، ثم تبعهم على الفور المفتي حسون، وقد، وهذا ليس مستبعداً على الإطلاق، يندفع آلاف المؤيدين إلى الشوارع في مسيرات حاشدة تنادي بإسقاط الجنسية عن أعضاء الائتلاف والمجلس الوطني، وساعتها ستجد الحكومة نفسها مجبرة على تلبية رغبة الجماهير.


كما سيجد بشار الأسد نفسه مجبراً تماماً لتلبية رغبة جمهوره والترشح لولاية رئاسية تبقيه على رأس هرم السلطة سبعة أعوام إضافية، في تنفيذ لنبوءة تنبأ بها وئام وهاب خلال لقاء تلفزيوني، ستنقل الأسد بعدها ليصبح مرشداً لسوريا، وكأن سوريا لا تستطيع أن تكمل طريقها من دون وجود مرشد يأخذ بيدها، وفقاً لنموذج إيراني تريد طهران تعويمه ليصير قاعدة.