عبدالزهرة الركابي

لم ينعم العراقيون بأيام العيد، فقد تواصلت تفجيرات السيارات المفخخة بوتيرة متصاعدة، لتؤكد مرة أخرى إخفاق الحكومة في معالجة حالة الأمن المتردية، بعدما راح الضحايا يتساقطون بالعشرات على مدار اليوم الواحد .

والمراقبون للشأن العراقي لا يزالون في حيرة واستغراب من الحالة الأمنية التي بدت مزمنة في الخلل والقصور، ولا يمر شهر إلا والأمن يتردى أكثر، حتى يعقبه شهر آخر أكثر تردياً، من دون ظهور بصيص أمل يوحي بتحسن هذا الأمن ومعالجة خلله معالجة حاسمة، حتى إن الشهر الفائت سبتمبر/أيلول، على سبيل المثال لا الحصر، كان ضحاياه لا يقلون قرابة عن ألف قتيل ما عدا الجرحى والخسائر المادية، بفعل العمليات الإرهابية، بل إن مناطق محددة في بغداد، تشهد أسبوعياً تفجير سيارات مفخخة، مع العلم أن هناك حواجز للأمن، تبعد عن هذه المناطق بضعة أمتار لا أكثر! .

وعلى كل حال، فإن عدد الضحايا في العراق جراء العمليات الإرهابية في الشهر المنصرم وحده، حسبما أعلنت الأمم المتحدة، بلغ 979 قتيلاً، وأن عدد مصابي هذه التفجيرات والهجمات يزيد على 2100 جريح .

ومن بين القتلى 92 من أفراد الأمن الذين قتلوا أثناء تأدية عملهم وكذلك 127 شرطياً قتلوا في غير أوقات الخدمة . وطبعاً أن مثل هذه الخسائر في شهر واحد، هي مقياس واضح على الخلل المستشري في الجانب الأمني، هذا الجانب الذي لا يشكو أبداً من نقص في عديد عناصره أو في قدراته التسليحية، ومع ذلك تظل الاختراقات تجتاحه بين يوم وآخر، الى الحد الذي جعل تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; الإرهابي يستعرض عناصره على الملأ في مناطق حواضنه المعروفة .

ولهذا، فإن العراق بهذا الوضع القائم والسائد سياسياً وأمنياً، يسير نحو المجهول، الأمر الذي جعل مارتن كوبلر مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق، يدق ناقوس الخطر، محذراً من أن العراق ينزلق نحو المجهول، داعياً القادة السياسيين للتحرك فوراً لrdquo;وقف المذابحrdquo; التي تشهدها البلاد .

ونقلت بعثة الأمم المتحدة في بيان عن كوبلر قوله، إن من مسؤولية السياسيين التحرك فوراً وبدء حوار يهدف إلى إخراج الأزمة السياسية من الطريق المسدود الذي وصلت إليه، وألا يجعلوا خلافاتهم السياسية فرصة يستغلها الإرهابيون، لافتاً إلى أنه سيواصل تذكير الزعماء العراقيين بأن البلاد ستنزلق نحو مرحلة مجهولة ومحفوفة بالمخاطر إذا لم يتخذوا إجراءات فورية .

وفي هذا الصدد، جاء في التقرير الخاص لمجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، المعني بالاتجاهات العالمية عام ،2013 أن أحد السيناريوهات بالنسبة إلى سوريا والعراق هو التفتت على أساس طائفي أو عرقي .

والواضح مما تقدم، أن القائمين على العملية السياسية، انغمسوا بعيداً في مصالحهم الضيقة والخاصة، وتركوا البلاد في فوضى عارمة ومستمرة، وهو واقع انعكس على المواطن العراقي سلبياً، هذا المواطن الذي لم يعد يثق بأقوال وتصريحات المسؤولين في أي شأن من الشؤون، ما دام يرى ويلمس واقعاً مراً، في حين أن هذه التصريحات تأتي على إيقاع مواعيد عرقوب، ومن يكون بالقرب من المجتمع العراقي، ومن غياب الدولة، يدرك أن الظواهر العشائرية والميليشياوية تتفشى، وترخي بظلالها المعتمة على هذا المجتمع .

هذه الظواهر تنامت وتصاعدت وتيرتها جراء قيام الحكومة التي يهيمن عليها المالكي بتشجيعها بالمال وبكل أشكال الدعم لأغراض انتخابية وسياسية، ضمن جوانب المصالح الضيقة والخاصة .

إن واقع الأمن المتردي صار موازياً للواقع السياسي المتردي هو الآخر، لا سيما بعدما صرح المالكي، بأن نجله (أحمد) يقوم بأداء مهام أمنية بما في ذلك إلقاء القبض على الأشخاص المطلوبين في المنطقة الخضراء نفسها، بينما وظيفته الرسمية هي (نائب مدير مكتب رئيس الوزراء) .

إن العملية السياسية على هذا النحو، عملية فاشلة وجرّت البلاد الى زاوية تضيق عاماً بعد آخر، حيث غدا هذا الواقع عنواناً لكل جوانب الحياة، بعدما بات جلياً أن الذين يهيمنون على العملية السياسية وكل المنتفعين منها، ليس في قاموسهم مدلول لتجسيد خير البلاد والعباد، وهذا التوصيف مدعم بشواهد الخراب الماثلة في بغداد والمحافظات، على نحو يشير كأن العراق ليس مصدراً للثروة .

وعليه، فإن العراق لن يكون بمنأى عن كل المخاطر المحدقة به، بيد أن المخاطر المتوثبة والمتربصة بالداخل، تدفع البلاد الى طريق المجهول، وهذا المجهول وانطلاقاً من الواقع السائد، لن تكون نهاية مطافه خيراً .