غازي العريضي

حصل ما كان متوقعاً، أوقفت أميركا مساعداتها الأساسية لمصر وجيشها، ولن تسلّم دبابات وطائرات للجيش المصري. مؤشرات هذا الموقف ظهرت إثر استجابة الجيش المصري لمطالب الشعب المصري، ووضع حد للحالة التي وصلت إليها البلاد بعد سنة من حكم quot;الإخوان المسلمينquot; برئاسة الرئيس المعزول محمد مرسي. كان واضحاً أن الإدارة الأميركية تتعاطف مع الرئيس quot;المنتخبquot;، وعبّرت عن موقفها بلسان السفيرة المعتمدة في القاهرة، ثم كان إرباك وتناقض في المواقف مما جرى. هل هو انقلاب نفّذه الجيش؟ أم إرادة شعبية حماها الجيش؟ في الخطاب الأخير لأوباما في الأمم المتحدة كانت إشارة تميل إلى التفسير الثاني. لم تمر أيام حتى أعلن قرار وقف المساعدات، وبعد أيام من ذكرى حرب أكتوبر المجيــــدة التي احتفل فيها الشعب المصري، ولم تكتمل فرحته لأن دماء سالت على أرض مصر بسبب إصـــرار حركة quot;الإخوان المسلمينquot; على التحرك الميداني والمواجهة وتحديداً في ذكرى السادس من أكتوبر!.

ليس مشهداً مطمئناً ما يجري في شوارع القاهرة ومحافظات أخرى، ليس مشهداً مطمئناً أن نرى قادة الجيش والشرطة يسقطون شهداء برصاص أبناء البلد. مصر العروبة، مصر الكرامة، وليس مشهداً مطمئناً أن نرى الجيش المصري منشغلاً عن الهم الأساس في تحقيق التوازن مع إسرائيل، ليغرق في مواجهة الأزمات الداخلية، والتحديات الجديدة الكبيرة، إرهاباً في سيناء وفي بعض الشوارع وتحركات مسلحة وعمليات أمنية في أماكن أخرى.

وليس مشهداً مطمئناً أن تحتفل مصر بالذكرى المجيدة ونصر جيشها على العدو وواقع الحال فيها مقلق ومؤشرات الفوضى، وربما الحرب الداخلية ماثلة أمام الجميع وهي تربك القوات المسلحة.

الإدارة الأميركية تخلّت عن دعم المؤسسة العسكرية. إسرائيل مرتاحة لما يجري، تجاوزت بنود اتفاقية كامب ديفيد، وافقت على إدخال قوات وأسلحة إلى مناطق معينة لا تجيزها الاتفاقية. الموافقة سريعة لأن القوات تقاتل quot;الإرهابيين والمتطرفينquot;، الذين يشكلون خطراً على إسرائيل في الأساس. وتدمّر الأنفاق التي يهرّب من خلالها السلاح إلى الأراضي الفلسطينية لتستخدم ضد إسرائيل!

في هذا الوقت كان الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور يزور المملكة العربية السعودية. يستقبله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وكبار مسؤولي المملكة بحفاوة وتأكيد أنهم لن يتخلوا عن مصر، ولن يسمحوا لأحد بالعبث بأمنها واستقرارها. واضح هنا، الخلاف السعودي- الأميركي حول مصر، وهو خلاف منطلق من النظرة إلى quot;الإخوان المسلمينrdquo;! ويمتد إلى خلاف حول سوريا ونظامها ومصيره، والى العلاقات مع إيران وغيرها.

نحن أمام تحولات استراتيجية مهمة في المنطقة ستظهر معالمها تباعاً، سيتغير دور الدول والمؤسسات فيها. فالجيش المصري هذا واقعه، وإنْ كان لا يزال قوياً ومتماسكاً وقادراً على استيعاب الضغوطات الداخلية، لكن وضعه صعب.

أما الجيش السوري فحالته أصعب، هو سلّم سلاحه الإستراتيجي الكيميائي الذي أعدّ للتوازن مع إسرائيل! وهو يستخدم أسلحته الأخرى في الحرب ضد الشعب السوري، والحالات الإرهابية والمتطرفين، وهذا الجيش هو الشريك الأساسي في حرب أكتوبر المجيدة. وشريك النصر الكبير، وهو الآن يخوض معركة بعيدة عن الهدف الأساس والدور الأساس الذي قام به وأعدّ له في مواجهة إسرائيل، كما حصل في حرب 73 أو في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82، ويحدث ذلك بعد أن تم تفكيك الجيش العراقي وتدميره وإعادة بنائه أميركياً ثم إيرانياً على أساس دور جديد له بعد أن كان من أهم جيوش العالم وشارك في حرب أكتوبر أيضاً. هو جيش يواجه الداخل، حالات وتنظيمات إرهابية وقوى سياسية، ويحمي تركيبة معينة تثبت في سياق التحولات التي تشهدها المنطقة.

والجيش الليبي تم تدميره، والبلاد تعيش حالة من الفوضى، فوضى السلاح والميليشيات والتنظيمات المسلحة ذات النزاعات السياسية العرقية والقومية والدينية والفكرية المختلفة. جيش انفق عليه مليارات الدولارات دمّر بالكامل وصودرت أسلحته وهرّبت وانقسمت ألويته وتفككت بنيته وأصبحت اللعبة والدور في الداخل!

السلطة الفلسطينية ممنوع قيام قوات عسكرية لها، بل المسموح بوضوح، قوى منزوعة السلاح، سلاح فردي، متوسط، عادي يعني نوع من الشرطة لمواجهة حالات شغب في الداخل، لا نتحدث عن جيش دولة فلسطينية لا تريد قيامها إسرائيل.

والدول الموجودة مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا وغيرها بات دور جيوشها إلى تراجع في مواجهة الأعداء الحقيقيين، ولذلك هي ممنوعة من امتلاك الأسـلحة الضرورية لذلك، تحجب عنها المساعدات أو تفكك، أو تصادر أسلحتها الأساسية، ويبقى لديها السلاح، الذي يمكن أن يكون له فاعلية في الحروب الداخلية!

إسرائيل تشعر بالارتياح في مثل هذه الحالة، الغرب يأتي لعقد صفقات سلاح في بعض الدول العربية، لكنه سلاح لن يستخدم في وجه عدو، لا إسرائيل ولا إيران إذا كانت هي العدو. وإذا كان الرهان على أميركا، فها هي أميركا في إيران، وتدير ظهرها لحلفائها الأساسيين، وتحتضن خصومهم، ولا تقف إلى جانب quot;الاعتدال quot;، بل تبحث عن مصالحها السياسية والمالية والأمنية والعسكرية، هذه هي أولويتها وفي أساسها طبعاً إسرائيل!

هل يمكن أن يكون للعرب تأثير في إنقاذ ما بقي وتحديد مستقبلهم ورسم أدوار دولهم ومؤسساتهم، أم سيبقى بعضهم غارقاً في اللعبة أسير أحقاده ومصالح سلطته التي لن يبقى منها شيء، والبعض الآخر أسير الحسابات الخاطئة والقراءات الخاطئة، وردات الفعل غير المدروسة والمفاجآت بالتطورات ليرى نفسه كل مرة أمام وقائع ومعطيات، لم يضعها في الحسبان، فيضيع كل شيء ويكون الجميع أمام الأمر الواقع؟