عبد الناصر سلامة

في الماضي القريبrlm;,rlm; كانت العواصم العربية تلهث وراء مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدوليrlm;,rlm; وتهلل طربا لهذا الإنجازrlm;,rlm; ولم تسع أبدا إلي الحصول علي مقعد دائم للعربrlm;,rlm; في ظل هيمنة القوي العظمي علي الاستحواذrlm;,rlm; وصناعة القرار في هذه المنظمةrlm;,rlm; التي لم تكن أبدا عادلةrlm;,rlm; أو منصفة يوما ماrlm;,rlm; لا للقضايا العربيةrlm;,rlm; ولا لغيرها من قضايا العالم الثالثrlm;,rlm; بصفة عامةrlm;.rlm;

والأكثر من ذلك, فإن قارة بحجم إفريقيا قد فشلت في السابق في الحصول علي مقعد دائم, في الوقت الذي ظلت فيه قوي الاستكبار, والاستعمار, هي صاحبة القرار, واللا قرار, المسمي بـ quot;الفيتوquot; منذ إنشاء هذه المنظمة, عقب الحرب العالمية الثانية عام1945, والذي استخدمته الولايات المتحدة وحدها77 مرة, من بينها36 ضد مشاريع قرارات تدين الكيان الصهيوني.
وعلي الرغم من أن الدول العربية, وقضيتها الفلسطينية, كانت الأكثر تضررا من مواقف مجلس الأمن الدولي, حيث عدد المرات القياسية التي تم فيها استخدام حق النقض quot;الفيتوquot; لعدم إدانة دولة الاحتلال علي جرائم القتل المتكررة للأطفال والنساء واغتصاب الأراضي, فإن أيا من العواصم العربية, أو قادتها, لم تطرح يوما, فكرة الانسحاب من هذه المنظمة, أو اتخاذ موقف جماعي ما بشأنها.
وقد كان ضعف القادة العرب في أوطانهم عاملا رئيسيا في هذه المواقف المتخاذلة, ولأنهم لم يستمدوا وجودهم يوما ما من شعوبهم, راحوا يعولون طوال الوقت علي مساندة القوي العظمي لهم, أو علي الأقل عدم مناوأتهم, حتي لو كان ذلك علي حساب قضايانا وحقوقنا المسلوبة.
وكم كنا نأمل أن يأتي اليوم الذي تعلن فيه الدول العربية مجتمعة الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة ومجلسها الدولي, مادامت مستمرة, علي وضعها الحالي, منبرا للخطابة السنوية الإنشائية, ومحفلا تستمد منه قوي البلطجة الإمبريالية مشروعية احتلال دولة, أو قصف أخري, إلا أن المواقف دائما كانت مخيبة لآمال الشعوب.
نحن الآن في حاجة إلي إعادة النظر في حق النقض الممنوح للدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن, ونحن في حاجة إلي إعادة النظر في العضوية الدائمة ذاتها, وتوسيع هذه العضوية, بما يجعل التكتلات الإقليمية تتمتع بها في القارات المختلفة, ونحن في حاجة إلي زيادة عضوية المجلس بنسب تتوافق مع حجم كل قارة, وكل تكتل, وليس بحجم القوة المسلحة للدولة العضو, ونحن في حاجة إلي إعادة نظر في امتلاك السلاح النووي بصفة عامة, وليس في المنطقة فقط.
إذن.. تحقيق العدالة علي المستوي العالمي يجب أن يكون مطلبا عربيا, حتي لا تظل الدول العربية مجرد ممول للمنظمات الدولية, دون استفادة حقيقية من العضوية بها, وتحقيق العدالة علي المستوي العربي والمستوي الإقليمي بصفة عامة, يجب أن تقرره الدول العربية, بما يتوافق مع السلم العام في المنطقة, وليس كما تراه القوي العظمي محققا لمصالحها وأهدافها, كما أن الحقوق العربية يجب أن تكون محور العلاقات مع هذه القوي, بمعني عدم القفز عليها في العلاقات الثنائية.
وحين ذلك يمكن تعليق التعاون مع هذه القوي في العديد من الاتفاقيات وأوجه العلاقات المختلفة, إن أردنا بدء مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك, خاصة بعدما ثبت أن عواصم كبري بعينها قد دأبت علي العبث بأمن المنطقة علي مدي عقود عديدة مضت, دون موقف واضح للمنظمات الدولية بصفة عامة, وفي ظل خضوع عربي منقطع النظير, بل إن هذه العواصم قد استمرأت التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية, في ظل غياب موقف حاسم لهذه الدول, وفي ظل غياب قيادات يمكن أن تتصدي لمثل هذه التدخلات.
ولئن كان موقف المملكة العربية السعودية أمس, بالاعتذار عن عدم قبول العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن موقفا فرديا, لا يرقي إلي ما كنا نطمح إليه من موقف جماعي بالانسحاب التام, فإنه موقف سوف يسجله التاريخ للقيادة الحالية للمملكة, حيث يمكن البناء عليه عربيا في المستقبل القريب.
وأظن أن الوضع الراهن, علي المستوي الشعبي العربي, يؤكد أنه سوف يكون داعما لمثل هذا القرار, إن جاء في هذا التوقيت, أو علي الأقل يمكن استخدامه كأداة ضغط لتحقيق, ولو جزء من قضايانا العادلة المتعلقة بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل, أو تحرير الأراضي العربية المغتصبة, أو علي الأقل إعادة هيكلة المنظمات الدولية ككل, بما يحقق العدالة بين الدول, حتي لا تظل سياسة ازدواجية المعايير سيفا مسلطا علي رقاب الدول الضعيفة.
وأعتقد أن الموقف السعودي سوف يمثل ركيزة أو نواة, تبني عليها أيضا دول أخري غير عربية مواقفها تجاه منظمة الأمم المتحدة في المراحل المقبلة, سواء بالاعتذار عن عدم قبول العضوية, أو الانسحاب, أو عدم تسديد الاشتراكات والمساهمات المالية, وبالتالي فإن موقف المملكة, يمكن أن يجبر القوي المهيمنة هناك علي إعادة النظر في سياساتها تجاه الدول الضعيفة من جهة, وتجاه طريقة عمل هذه المنظمة من جهة أخري.
إلا أنه في كل الأحوال, يجب علي الدول العربية, تحديدا, استثمار الموقف السعودي, ودعمه بما يحقق المصالح العربية, وبما يبرهن علي أن هناك شعوبا مازالت تنبض بالحياة, وخاصة أنه قد آن الأوان لأن تعبر سياسات هذه الدول عن تطلعات شعوبها وآمالهم, بعد سنوات طويلة من الجفاء.
وقبل هذا وذاك, قد يكون من الأولي والأهم, إصلاح حال جامعة الدول العربية بما يجعلها بديلا فاعلا عن مثل هذه المنظمات الدولية, وبما يجعلها أداة ضغط حقيقية, تتحقق من خلالها الأهداف العربية علي المستوي الخارجي, وآمال الشعوب علي المستوي الداخلي, ومستوي العلاقات الثنائية بين الدول الأعضاء, التي تدهورت في السنوات الأخيرة, إلي حد كبير, نتيجة شطط من هنا, أو انفلات من هناك, وذلك لأنه إذا لم تتحقق الوحدة من الداخل أولا, فلن يكون هناك أي أمل في اعتراف الخارج بقضايانا, أو مساندة حقوقنا المشروعة.
ولأن المملكة العربية السعودية, يمكن أن تكون هي الدولة المؤهلة للقيام بدور إيجابي الآن, في ظل ما يحاك لها أيضا, من مؤامرات خارجية, كغيرها من دول المنطقة, فإننا سوف نعول عليها كثيرا لقيادة هذه القاطرة, التي قادها من قبل الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز خلال حرب أكتوبر1973, وأعتقد أن ثقة الشعوب العربية في عروبة ووطنية وقومية الملك عبدالله بن عبدالعزيز هي أكبر دعم له في هذه المرحلة, وخاصة بعد وقفته المشهودة مع الشعب المصري, التي برهن من خلالها, علي أن الوحدة العربية سوف تبقي أملا يراودنا, بعد أن ظننا أنها اندثرت إلي غير رجعة.