سركيس نعوم

القطع الجزئي للمساعدات الأميركية السنوية لمصر الذي قرّره الرئيس باراك أوباما أراح قليلاً جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; التي صارت الآن خارج السلطة، وأزعج الحكم الجديد فيها الذي هو مزيج من غالبية شعبية ثارت ضد quot;الجماعةquot; في 30 يونيو الماضي ومن القوات المسلحة التي حمتها ومكّنتها من التخلص من حكم quot;الإخوانquot;. علماً أن القرار المذكور صدر بعد تردُّد طويل، وبعد تعليقات متناقضة من الكبار في الإدارة الأميركية حيال ما سمّاه البعض الثورة المصرية الثانية، وما سمّاه البعض الآخر الانقلاب على الثورة الاولى وتالياً على الشرعية التي أفرزتها. وهذا الموقف السلبي، وإن جزئياً، من الحكم الجديد في مصر لا يقتصر على أميركا. فدول أوروبية كبرى عدّة تشاطرها إياه. لكنها لم تذهب إلى حد اتخاذ قرارات مشابهة لقرار أوباما المذكور أعلاه ربما لأن حجم مساعداتها للدول المحتاجة إليها في العالم ليس كبيراً. إلا أن ذلك لم يمنعها، وعِبر المسؤولين في الإتحاد الأوروبي، من إظهار الانزعاج من الإنقلاب على الرئيس مرسي quot;الإخوانيquot; وشرعيته، وتالياً من خشيتها على عملية انتقال مصر إلى ديموقراطية فعلية. وقد دفع موقفها هذا جهات عدة إلى محاولة إقناعها بتغيير موقفها، وبإعطاء فرصة للحكم المصري الجديد كي يطبّق خريطة الطريق التي وضعها سادته وقادته لأن ذلك هو السبيل الوحيد لمكافحة الإرهاب الذي صار إسلامياً منذ عقود، والذي يهدد باكتساح العالَمَين العربي والإسلامي وبايذاء العالم الأوسع.
كيف ينظر الأميركيون إلى هذا الأمر؟
يعتبر عدد من الباحثين ومتعاطي الشأن العام في الولايات المتحدة أن قرار أوباما المذكور أعلاه ليس مُنتِجاً ولا مريحاً على صعيد الديموقراطية المصرية كما على صعيد العلاقة الثنائية بين الدولتين. لكنهم يعتبرون في الوقت نفسه أن ما حصل قد حصل، وأن المهم الآن هو ردّ فعل القاهرة والمنطقة على القرار، وهو أيضاً كيف تستطيع الدولتان الشفاء من الجرح الذي أصابتا به نفسيهما. وفي هذا المجال يعتقد هؤلاء أن إدارة أوباما ربما تكون استخفَّت أو أخطأت حساب ردّ فعل حكومة مصر وتالياً شعبها على القرار. ورغم أن المعطيات السابقة التي كانت عند الإدارة أفادت أن الرجل الأقوى في مصر اليوم اللواء عبد الفتاح السيسي quot;ودودquot;، وأن رد فعل وزير الخارجية نبيل فهمي quot;غير مبالٍquot;، فإن متابعة الواقع على الأرض في مصر تفيد أن غالبية المصريين ومعظم المراقبين من خارج مصر لا تؤمن بالركون إلى أميركا أو الإعتماد عليها. فضلاً عن أن موقف رئيسها يظهر استمرار الدعم الذي كان سرّياً لجماعة quot;الإخوان المسلمينquot;. ومن شأن المواقف المذكورة دفع حكومة مصر إلى التصرف بطريقة quot;وطنيةquot; وإن متشددة. وقد بدأ ذلك يظهر في وسائل الإعلام. والشيء الوحيد الذي لا يظهر فيها هو النية المعلنة لسياسة أميركا تجاه مصر وجوهرها تحسين الإنتقال السياسي داخلها.
في اختصار، يقول المتابعون والباحثون الأميركيون أنفسهم، أن مصر تدرك أهمية علاقتها مع أميركا والعلاقة الخاصة مع قواتها المسلحة. ولذلك فمن المستبعد أن تضرب الحكومة المصرية هذه العلاقة بالكامل. كما من المرجح أن تتخذ إجراءات ومواقف لتهدئة الرأي العام في بلادها ولإظهار انزعاجها، وأن تُبقي باب الخيارات المتنوعة مفتوحاً أمامها. وهذا يعني ربما قيام مصر بعقد صفقة تسلُّح مع روسيا بتمويل من المملكة العربية السعودية. ويقولون أيضاً أن لا خطر داهماً على السلام المصري ndash; الإسرائيلي. لكنهم يلفتون إلى أن استمرار القطع الجزئي للمساعدات الأميركية لمصر يشجِّع الحركات المعادية للسلام مع إسرائيل في كل المنطقة. ويقولون ثالثاً إن أميركا تنفّذ على ما يبدو سياسة تعرّض أصدقاءها وحلفاءها للأخطار وتريح أعداءها، وهم كثيرون مثل quot;القاعدةquot; والأسد وبوتين وخامنئي وquot;حماسquot;.
كيف يمكن إنهاء الإشكال المصري ndash; الأميركي المفصّل أعلاه؟
أولاً بإسراع الحكومة المصرية في تطبيق خريطة الطريق وتأمين الانتقال إلى نظام جديد برئيس جديد ومجلس أمة جديد وبديموقراطية فعلية. وثانيها، بمبادرة أوباما الى تحويل المبالغ التي قطعها عن مصر، وهي كانت مخصّصة للعسكر ولتسليحه الى المساعدات الاقتصادية التي تحتاج إليها مصر في هذه المرحلة الصعبة.
وإذا لم يحصل ذلك، وإذا بدا أن سياسة أميركا أوباما حيال مصر الجديدة ستتسم بالتشدد وبانعدام البراغماتية فيها وبالتنظير الديموقراطي، فإن النتائج ستكون سيئة لمصر وللمنطقة ولأميركا.