سمير عطا الله

للعرب تجربة مديدة وسيئة مع مجلس الأمن. كانوا غالباً ضحاياه ولم يكن ملاذهم. وقعت قضاياهم دائماً ضحية الصراع الدولي على النفوذ وصريعة الفيتو، تلك البدعة القاهرة، التي أعطتها الدول الكبرى لنفسها. لا أحد سوى مدير الأرشيف في الأمم المتحدة يعرف عدد وأرقام القرارات التي صدرت وظلّت دون تنفيذ أو اهتمام أو اعتبار.

لكن الدول العربية لم ترد على هذه الحقائق بالخروج من المنظمة الدوليّة. ففيها مؤسّسات كثيرة نحن جزء منها ولنا فيها أدوار ومساهمات. العرب لا يريدون الخروج على مسار القانون الدولي، مهما كان عاجزاً أو سيئ الأهواء. لكن العرب لا يريدون أيضاً أن يكونوا شركاء في laquo;الجريمة الجماعيةraquo;.

لقد تحوّل مجلس الأمن إلى محكمة لشهود الزور وساحة واضحة للصفقات، وفقد مجلس الأمن توازنه حتى كاد يفقد مبرِّر وجوده. القرار السعودي بالخروج هو، ببساطة، رفض للانضمام إلى هذا النوع من الشهود، وهذا المستوى من تطبيق القانون الدولي. لماذا الانضمام إلى مؤسسة تضم 15 عضواً لهم حق الكلام، ثم الكلام، ولا شيء سوى الكلام.

ما يحدث في سوريا لم يعد أزمة سياسية بين نظام ومعارضة، بل صار كارثة بشريّة مريعة قلَّت نظائرها في التاريخ. حجم الكارثة تعدّى أحجام الحروب الأهلية بكثير. لا حرب لبنان، ولا حرب الجزائر، ولا حروب السودان، ولا الصومال، ولا غيرها أوقعت من الكوارث ما أوقعه النزاع في سوريا.

وها نحن نشهد صفقة علنيّة لا مثيل لفجورها من قبل: دائمو مجلس الأمن يديرون ظهورهم للعويل السوري من أجل عقد صفقة نووية مع إيران، أو من أجل رسم ميزان قوي جديد بين روسيا وأميركا. وبكل علانية يستخدم مجلس الأمن كمخبأ لعقد الصفقات فيما يتعدّى عدد اللاجئين السوريين حجم أي كارثة نزوح. laquo;المبادرةraquo; العربية بإقناع السعودية بالعودة عن قرارها، تفكير سياسي خاطئ. يجب أن تكون المبادرة في دعم قرار الانسحاب وفي إبلاغ شعوب العالم بأن الشعب العربي لم يمت بعد، برغم جميع المحاولات لقتل ضميره وروحه وإبائه. هذا أقل ما تستطيع السعودية قوله في وجه غلاظة الفيتو الذي يشبه سلوك الغاب، لا سلوك الأمم. على العرب أن يبلِّغوا الروس والأميركيين أن المسألة الملحَّة ليست في نوويات إيران ولا في كيماويات سوريا، بل في حياة ومصير شعب بأكمله، نرى صوره كل يوم، هارباً داخل الحدود وعبرها وفي سفن الموت. وما بين ذلّ القنص وذلّ الغارات وذلّ المخيمات، لا يعرض على السوريين سوى جنيف، أو مجلس الأمن. خذوه، مجلس الأمن، ومعه جنيف، بكل أرقامها المتسلسلة.