عبدالله يوسف سهر

مما لا شك فيه إن التوتر الكبير الذي يخيّم على أجواء الشرق الأوسط والخليج يرمي بظلاله على جميع دول المنطقة والدول الأخرى التي ترتوي شرايين طاقتها من النفط الخليجي. وعلى هذا النحو فإن ما يجري في المنطقة هو محل اهتمام عالمي من دول كبرى وصغرى سواء كانت من العالم الأول أو الثالث لاتصاله بمنظومة أمنها القومي. ولقد تصاعدت وتيرة هذا التوتر بعد ارهاصات ما أطلق عليه بالربيع العربي الذي تقاطعت على رسومه السياسية على خطوط عرض وطول الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة والدول الغنية والأخرى الفقيرة، عوضاً عن دخول المطالبات بالتغيير الديموقراطي الذي هو الآخر لم يسلم من تناقضات في المواقف والمرئيات الايديولوجية والمصلحية. كل ذلك قاد الى اختلاف في المواقف والاستقطابات بين ما يطلق عليها بدول المحور في الشرق الأوسط التي تتمثل في كل من المملكة العربية السعودية وإيران ومصر والعراق.ولما كانت مصر والعراق يقعان تحت أنين الاهتمام الداخلي جراء ما أصابهما من وهن سياسي محمول بمتغيرات داخلية، فلقد انفردت كل من إيران والسعودية في مبارزة مضطردة لتعظيم نفوذهما في خضم أمواج التغيير المتعالية.وبناء عليه نجد تجليات هذا التنافس على القيادة والتأثير واضحا ليس على رقعة رمال وبحر الخليج وانما بجلاء في كل من مصر وتونس وفلسطين ومصر والعراق ولبنان وبوضوح أكثر على أرض الشام المنكوبة بدمها الأحمر.كما ان تجليات هذا التصعيد في المنافسة السياسية، أو ما يطلق عليه علميا وفق أدبيات العلاقات الدولية بـ laquo;Regional Hegemonic Contestationraquo;، قد رسمت لوحتها على صفحات المجتمعات في أغلب دول الخليج وخاصة الكويت حيث التوتر الطائفي الذي باتت أشباحه تظهر في كل ناحية وصوب ليس في جنح الليل بل وحتى في رابعة النهار. ولا مندوحة بأن هذا التوتر السياسي لن يخدم جميع الدول حيث يستهلك طاقاتها ويسمم بيئتها ويهدد أمنها في وقت هي أحوج لأن تواكب مجريات التطور والحداثة الى جانب تطلعاتها التنموية. كما يبدو انه من الصعوبة قبول سيناريو خروج أي طرف منتصرا من هذه المواجهة أكثر من سيناريو تآكل ثروات هذه الدول من خلال توجيه طاقاتها المادية والبشرية لمستلزمات الحرب الباردة أو الساخنة فكلاهما بلاء. أما موقف الدول الغربية فلن يكون هو الآخر مبدئيا كما يحلو للبعض بأن يراه فتلك الدول تنظر لمصالحها التي لا شك بأنها سترتبط بمن يكون أقوى أو من يستطيع تقديم أرباح أكثر مسحوبة من سلة الثروات القومية التي تنعم بها دول النفط والغاز. ولقد اتضحت تلك الحقيقية بشكل صارخ في تعاطي الدول الغربية في الملف السوري الى جانب ملفات الإرهاب والديموقراطية. وعلى هذا الحال، فدول المنطقة عليها أن تعي بأنها هي الوحيدة التي تستطيع ان تكون صديقة نفسها وخاصة دول المحور التي لو تفاهمت على تقاطعاتها ورمال مصالحها الثابتة والمتحركة فستكون في منأى عن تداعيات آلات الحرب. السعودية وإيران لابد وأن تتحركان في اتجاه بعضهما البعض بشكل مباشر دون المرور عبر عواصم الشرق أو الغرب فالطريق بينهما أقصر. ولعل بارقة الأمل هذه قد لاحت في الأفق بعد التغريدات المتبادلة بين الطرفين خاصة بعد وصول روحاني لسدة الرئاسة في طهران والذي قابلته دعوة من المملكة برغبة باللقاء اثناء فترة الحج. إيران والسعودية بيدهما مفاتيح الحل وليستا بحاجة للحديث من خلال العم سام الذي له حساباته الخاصة والتي ليست بالضرورة بأن تلتقي على حواف مصالح هاتين الدولتين.

مع
من المعروف بأنه لو خفت حدة التوتر بين طهران والرياض فستكون المنطقة أكثر أمنا واستقرارا. كما ان تفعيل مبادرات اللقاء المباشر وبناء الثقة بين هذين العملاقين من شأنها ان تطرد أشباح المسترزقين في أسواق الفتنة الطائفية. لذا فمن المهم استراتيجياً بأن يتم تشجيع إشارات الرغبة بالتهدئة واللقاء الثنائي بشكل مباشر كي تخرج المنطقة وبأسرع وقت وأقل تكلفة من أجواء التوتر الملبدة laquo;بالغيوم الصفراءraquo;. ويكفينا بأن نتصور بأن حرباً رابعة في الخليج ستجعل الأحياء يحسدون الأموات.

ضد
اللعبة أعظم من دول المنطقة جميعا، والصيد أكبر من الفخ، ومن هنا فلابد من التفكير بشكل واقعي أكثر. نحن دول العالم الثالث لا نصنع السياسية بل أن السياسة هي التي تصنعنا، وبمعنى آخر هو أن الصراع الذي ينتاب دول المنطقة ويجتاحها غربها إلى شمالها لا يحدث من بين أيدينا لوحدنا حتى نستطيع كبح جماحه بل هو مفروض علينا كما تفرض علينا أشياء كثيرة. ان دول غربية كثيرة لن ترضى بأي تقارب سعودي إيراني لأنها تعيش على ذلك التصعيد الذي يروي شرايين مصانعها العسكرية.