جهاد الخازن

لو طلِب مني أن أختار أهم عشرة قادة عرب عرفتهم عبر عملي في الصحافة لكان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واحداً منهم. ولو طلب مني أن أختار أهم خمسة قادة أو أهم ثلاثة لكان الشيخ زايد أيضاً أحدهم.

يعود بدء معرفتي بالشيخ زايد، رحمه الله، إلى سنة 1973 فقد كنت في أبو ظبي ووجدت فيها الصديق سليم اللوزي، رحمه الله، فطلب مني أن أترك كل شيء لأنه كان على موعد لإجراء مقابلة مع الشيخ زايد.

كان إعجاباً من أول نظرة، فقد كانت وطنية الشيخ زايد وعروبته ومودته صادقة واضحة، ولولا خجلي لصفقت وأنا أسمع الشيخ زايد يقول رداً على سؤال من ناشر laquo;الحوادثraquo; ورئيس تحريرها أنه إذا قطعت الدول العربية النفط عن الغرب، وتحديداً عن الولايات المتحدة، فهو على استعداد لأن laquo;يقطع أبوهraquo;.

الشيخ زايد كان على غلاف laquo;الحوادثraquo; بعد ذلك والمقابلة حملت العنوان laquo;إذا قطعوا النفط أقطع أبوه،raquo; قبل أيام من حرب 1973 وقطع النفط.

تزاحمت الذكريات عن الشيخ زايد وأنا أقرأ كتاباً عن حياته عنوانه laquo;بقوة الاتحادraquo; صادراً عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مع مقدمة من الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والإمارات. الكتاب ليس جديداً فهو في طبعته الخامسة، وعندي نسخة سابقة منه، إلا أن الطبعة الأخيرة حملت فصلاً جديداً بعنوان laquo;الإرث الطيبraquo; يسجل ما ترك الحاكم للإمارات العربية المتحدة من إنجازات. والكتاب كله تاريخ موثق لا غنى عنه للباحث المهتم.

كنت أحضر القمة العربية في الرباط سنة 1974 ودعاني أخونا سليم اللوزي إلى أن أرافقه لزيارة الشيخ زايد في دارة تركها أصحابها المغاربة لاستضافته فيها. وكانت جلسة وطنية أخرى وقصة طريفة لها علاقة بالمقابلة السابقة في أبو ظبي ربما عدت إليها في المستقبل.

أجريت للشيخ زايد ثلاث مقابلات، الأولى في بيت أو استراحة محاطة بالشجر بين أبو ظبي ودبي، والثانية في أبو ظبي، والثالثة في أســكوت قرب لنــدن، وهــو في طريقه إلى الولايات المتحــدة للعـــلاج، فكانت آخر مرة أراه فيها. وبين هذا وذاك رأيته في عدد من القمم العربية التي حضرتها.

laquo;الحياةraquo; نشرت المقابلات في حينها، فلا أعود إليها مكتفياً ببعض الهوامش، فعندما وجدت التلفزيون ينتظرنا في المقابلة الأولى شكوت للشيخ زايد من أن بث المقابلة سيفسد نشرها في الجريدة، إلا أنه أكد لي أن البث سيكون بعد صدور المقابلة في laquo;الحياةraquo;، وهكذا كان. المقابلة الثالثة جاءت مصادفة فقد ذهبت إلى مقر إقامة الشيخ زايد قريباً من لندن مع الشيخ حمدان بن زايد، ولم نكد نصل حتى وصل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، ولي عهد الكويت، رحمه الله، ليرد على زيارة الشيخ زايد له في لندن. كان الشيخ زايد يتوكأ على عصا فحلف عليه الشيخ سعد ألا يخرج لوداعه، وخرج أهل البيت وبقيت مع الشيخ زايد وحدنا فذكّرته بمقابلاتي السابقة معه، وبدأنا مقابلة جديدة أذكر أن بين الذين حضروها الشيخ محمد بن راشد والشيخ حمدان وعدداً من الوزراء.

كان أجمل ما أجد في الشيخ زايد صدقه وصراحته وعفويته. وعندما سألته عن laquo;الاحتواء المزدوجraquo; أو محاولة الولايات المتحدة محاصرة العراق وإيران، كرّر كلمات الولايات المتحدة، العراق، ايران غير مرة، ثم التفت إليّ وقال laquo;كلهم خسيسين يستاهلوا بعضraquo;.

رأيي في وطنية الشيخ زايد سمعته من قادة دول، مثل الملك الحسن الثاني وياسر عرفات، رحمهما الله، والرئيس حسني مبارك، وكثيرين غيرهم.

الرئيس مبارك كان معجباً بالشيخ زايد، ويذكر دائماً دعمه مصر ومساعدتها في الأزمات. الواقع أن الشيخ زايد كان يستدين على دخل أبو ظبي المقبل ليساعد المغرب، أو ليعمر مدن القناة، أو ليساند الفلسطينيين وغيرهم. رحم الله الشيخ زايد، مثله في الرجال قليل.

وضاق المجال فأختتم بشكر مركز الإمارات ورئيسه الأخ جمال سند السويدي، فأنا أتلقى إصدارات المركز بانتظام حتى أن في مكتبي ما يزيد على 20 كتاباً منها. وقد أرسل إليّ المركز سيرة الشيخ زايد بالعربية والإنكليزية، وأيضاً باللغة الكورية، مع كتب أخرى فأشكر الأخوان في المركز مرة ثانية.