طارق ليساوي


تصوروا معي لو أن جهة ما أرادت اختيار أفضل سياسي مغربي لهذه السنة من بنظركم سيكون هذا النجم أو النجمة؟ قد يختار البعض منا الأمين العام لحزب الاستقلال السيد حميد شباط، بينما سيذهب البعض الاخر إلى اختيار الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار السيد مزوار الذي رغم اتهامه بالفساد والاثراء من غير سبب تمكن من الدخول إلى الحكومة وتمثيل وجه المغرب في الخارج عوضا عن رجل اسمه سعد الدين العثماني الذي رفع رأس المغرب في الخارج بعلمه وحسن خلقه وحظي بتقدير واحترام خصومه قبل حلفائه، كما حصل حزب السيد مزوار على عدد من الحقائب لم يحصل عليها الحزب في أزهى مراحله. بينما سيفضل طرف أخر اختيار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بن كيران الذي أطلق شعارات ضخمة ولم يتمكن حتى من إدراك شرف المحاولة، لقد فتح وابلا من النار على جهات وصفها بالتماسيح والعفاريت لكن حكومته الثانية احتضنت كبار التماسيح كما وصفهم هو بنفسه ضاربا بعرض الحائط احتجاجات الشارع في 20 فبراير والتي دعت إلى تخليق الحياة العامة وإقصاء ومعاقبة المفسدين، كما أنه ضحى بأصوات المغاربة الذين صوتوا لحزبه أملا في سلوك سياسي أكثر نزاهة، لكن الذي تحقق بالملموس هو تعزيز فعل وسلوك سياسي أكثر سوءا من ذي قبل.


لكن اعذروني في موقفي فأنا لا أعتبر هؤلاء أبطالا أو قادة بل هم بعيدون كل البعد على أن يكونوا قدوة أو نموذجا، فالسياسة رغم أنها فن الممكن وفن إدارة الاختلاف، إلا أنها ينبغي أن تخضع لضوابط وقيم أخلاقية نبيلة وإلا أصبحت شكلا من أشكال الاحتيال. فالسياسي هو ذلك الشخص- رجل أو إمرأة- الذي يشعر بألم الناس ومعاناتهم هو ذلك الذي يشعر في قرارة نفسه أن البلاد والعباد يمرون بمرحلة عصيبة تتطلب التضحية بالغالي والنفيس من أجل الوصول إلى بر الأمان، فالبلاد تعرف أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، البلاد تواجهها تحديات صعبة فالمغرب يخسر كل يوم بفعل ضعف سياسييه لا بفعل نذرة موارده، يخسر أولا شعبا طالما ضحى بالغالي والنفيس من أجل استقرار وأمن البلاد طمعا في غد أفضل تسوده الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، يخسر شعبا تكبد الفقر والمعاناة وتحمل تكاليف الفساد لعقود من أجل الحفاظ على وحدته الترابية.
لكن إذا منحتموني سلطة الاختيار فسوف اختار ملك المغرب الذي قرر في خطبه الأخيرة تبني ما يمكن وصفه بالنقد الذاتي للسياسات العمومية وأصبح المعارض الأول للأداء السياسي، وهي خطوة جريئة أن يقدم فاعل سياسي عن نقد سياساته أمام الملأ، إنه موقف شجاع لم يستطع رئيس الحكومة أن يقدم عليه وهو المهدد بسوط الانتخاب، لكن أن يقول رئيس السلطة التنفيذية أن مدينة كبرى بحجم الدار البيضاء مدينة فاشلة وأن يقر بأن ملف الصحراء يعرف منعطفات خطيرة وعندما يقر في محطة سابقة أن التعليم متدهور وأن وضع الاقتصاد المغربي غير سليم، كل هذه الاعترافات الصادرة عن رئيس السلطة التنفيذية تفيد فشل سياسات العهد الجديد، لاسيما وأن هناك اعترافا اخر من ملك المغرب بأن السياسات العمومية طيلة العهد الجديد تتم بإشراف مباشر من الملك ومحيطه، إذن من المسؤول الأول عن هذا الفشل؟ ومن القادر اليوم على قول الحقيقة بدون مواربة للمغاربة؟ ولماذا فشلت سياسات العهد الجديد؟ ..
فمدة عقد ونيف كافية بتمكين أي حكومة أو حاكم جديد بإحداث تغيير جذري في السياسات وفي سلوك المؤسسات العمومية، فتركيا مثلا بدأت تجربتها مع العدالة والتنمية في نفس الوقت الذي صعد فيه ملك المغرب للعرش ولنقارن اليوم حال تركيا وحال المغرب. هناك إقرار من رئيس السلطة التنفيذية بفشل مجموعة من السياسات العمومية، لكن هل هذا النقد موجه إلى حكومة بنكيران وتجربة مابعد دستور 2001؟ . للإجابة عن هذا السؤال سوف نستند إلى قاعدة دستورية متعارف عليها كونيا، فمن المعلوم أنه لا يمكن محاسبة أي حكومة في فترة سنة من الحكم، والدليل على ذلك أن كل التجارب الدستورية في العالم جعلت الولاية التشريعية أو الرئاسية تتراوح مابين 4 و7 سنوات حتى يمكن الحكم بنجاح أو فشل تجربة سياسية بعينها، وهذا يعني أن محاسبة تجربة بن كيران وتحميله أعباء فشل كل هذه السياسات أمر بعيد نسبيا عن الصواب.
لا أقصد من هذا الموقف الدفاع عن تجربة بن كيران فهو وحزبه حكم على نفسهما بالفشل منذ لحظة القبول بدستور لا يرقى إلى طموحات الحراك الشعبي لـ 20 فبراير، ولما كانت المقدمات خاطئة فمن المؤكد أن النتائج ستكون كذلك، فهناك منطقة رمادية شاسعة في القرار السياسي المغربي جعلت من الصعب تحديد من المسؤول عن فشل السياسات العمومية وعن تراكم ملفات الفساد العمومي، هذا الأمر ليس بالجديد على المغرب فقد عانت منه تجربة حكومة السيد عبد الرحمان اليوسفي، وتوصلت إليه لجان تقصي الحقائق المشكلة من البرلمان المغربي لتقصي الحقائق في ملفات الفساد المالي بالعديد من المؤسسات العمومية فهناك مثلث برمودة يستوطن عمق النظام السياسي المغربي. فهل هي الدولة العميقة، أم تماسيح وعفاريت السيد رئيس الحكومة؟ سؤال لا جواب له. لكن من المؤكد أننا أمام لحظة فاصلة في تاريخ المغرب عنوانها الكبير اعتراف ملك المغرب بتوالي السنوات العجاف ..