أحمد الفراج

تم تداول فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي لشيخ من إحدى الدول العربية، ويبدو هذا الخطيب في المقطع وهو يصرخ، ويحث على قتال الكفار، مستخدماً أسوأ ما أنتجته اللغة العربية من مفردات، ويبلغ الحماس مبلغه عند هذا الشيخ إلى درجة أنه يقوم بتكسير كل ما أمامه أثناء الخطبة، ضارباً عرض الحائط بسنة المصطفى عليه السلام، والظريف أن الفيديو يستعرض سلوك هذا الشيخ في بلده العربي، وأمام جماعة مسجده، ثم يقارنها بسلوكه أثناء زيارته لإحدى الدول الأوروبية، إذ يبدو في منتهى الأدب، والخلق، ويتحدث بلغة هادئة، وراقية، ويتحدث عن التسامح، والحب!!، فهل يذكرنا هذا الحبيب بأحد ما؟!.


نعم، فإضافة إلى أنه يذكرنا بزميلنا، الإعلامي عبد الباري عطوان، عندما يظهر في الإعلام الغربي بوجه المتسامح، وفي الإعلام العربي بوجه الغاضب، فإنه يذكرنا أيضاً بفئام من طلاب العلم هنا، والذين يتخذون من شتم الآخر المختلف سبيلاً إلى قلوب الجماهير المحلية من العامة. هذا، ولكنهم لا يستطيعون صبرا عن ديار الغرب، إذ لا يكاد لهيب الصيف يداهمنا هنا، حتى يشدوا رحالهم إلى هناك، وهم غالباً ضيوف معززين، ومكرمين، ثم يتحول خطابهم هناك - تماماً مثل شيخنا الآنف الذكر - إلى اللين، والتسامح، والاستشهاد بقصص من التراث عن أهمية الحوار مع المخالف، وهي اللغة التي تغيب عندما يخاطبون جماهيرهم المحلية، وعندما يتحدثون عن المختلف الذي يشاركنا سكنى هذا الوطن!، وغالبا فإن هؤلاء هم الذين يحثون أبناءنا على الجهاد، ولكنهم في غمرة حماسهم ينسون أن أبناءهم أهم وأولى بهذا الشرف من أبناء الآخرين من الفقراء، ولهم في هذا قصص تتناقلها الركبان.
يعيش بين ظهرانينا عدد لا بأس به من أبناء الشام العزيز، وهم يقفون قلباً، وقالباً مع ثورة سورية، ويدعون المواطنين إلى دعمها. هذا، ولكنهم - على الرغم من ثرائهم الفاحش - لم يفكروا في إيثار أبنائهم بشرف الجهاد في موطنهم، وربما لم يحدثوا أنفسهم بذلك، وعلى أي حال فإن معظم أبنائهم يواصلون دراستهم في الغرب، أو يمتهنون التجارة في بعض البلدان الخليجية، وعندما سئل أشهرهم عن عدم إرسال أبنائه إلى الجهاد؟!، قال إنهم - أي أبنائه - يجاهدون في الإعلام، وفي جمع التبرعات!، ومثلهم بعض أتباع الإسلام السياسي السعوديين، فقد كتب أحدهم، وهو من الذين تورط بهم تنظيم الإخوان بفرعه السعودي، حسب ما يذكر الثقات، وكتب في تويتر يحث شبابنا على الجهاد في سورية، ثم كتب في ذات اليوم يعلن عن زواج ابنه، ويطلب من التابعين الدعاء له بالرفاه والبنين، وهي الحادثة التي أصبحت محل تندر في وسائل التواصل الاجتماعي، فلِمَ يا أخانا لم تحب لشبابنا ما تحب لابنك، غفر الله لنا ولك، وإننا والحالة هذه لا نلقي باللوم على هؤلاء الحركيين، المتكسبين بالدين وحسب، وإنما نلقي باللائمة الكبرى على laquo;المغيبينraquo; من أبناء هذا الوطن، والذين تجذبهم الشعارات، وتثير عاطفتهم لغة السياسة، المغلفة بالدين، فمتى يا ترى يستيقظ الغافلون؟!.