محمود الريماوي

بصرف النظر عن الموعد الدقيق لانعقاد مؤتمر ldquo;جنيف- 2rdquo; الخاص بالمسألة السورية، فمن الواضح ان هذا الموعد بات قريباً . وكان نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل الذي يكثر من زياراته لموسكو قد حدد يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل موعداً للاجتماع، إلا أن الخارجية الروسية نفت ذلك قائلة إن الأمانة العامة للأمم المتحدة هي التي تحدد الموعد وليس أي طرف آخر .

انعقاد المؤتمر بات شبه حتمي مع صدور قرار مجلس الأمن 2118 المتعلق بالأسلحة الكيماوية، فقد تبنى هذا القرار الدعوة لعقد الاجتماع بما يعكس إرادة دولية لانعقاده بعد 31 شهراً من الأزمة السورية الدامية .

الحكومة السورية (التي تعكس في العادة رؤى رئاسة الجمهورية والأجهزة الأمنية، لا قرارات مجلس الوزراء) أبدت موافقتها غير مرة على المشاركة في الاجتماع، وتظل هذه الموافقة مبدئية رغم أنها تبدو بلا شروط مسبقة . إذ تعمد الحكومة إلى محاولة تقرير مصير اجتماع قبل انعقاده، من قبيل ldquo;رفضrdquo; مشاركة الائتلاف في الاجتماع وهو الأمر الذي عبّر عنه الوزير وليد المعلم لدى وصوله إلى نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية، وتفضيل مشاركة معارضة الداخل، من دون أن يحدد المعلم من هي معارضة الداخل هذه . كذلك الأمر بما يتعلق بمشاركة فصائل مسلحة، فالرئيس الأسد تحدث غير مرة عن رفض مشاركة من يحملون السلاح . ومن الواضح أن هذه الرؤى ترمي إلى الضغط على مجرى الترتيبات لانعقاد الاجتماع ، مع التشكيك في أهلية قوى المعارضة والثورة المسلحة للمشاركة .

المعارضة من جهتها تبدو منقسمة إزاء الأمر، فبينما رفض رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا مبدأ المشاركة مهدداً بانسحاب المجلس من الائتلاف في حال المشاركة، فإن رئيس الائتلاف أحمد الجربا أعلن عن مشاركته، بينما ترفض تنظيمات مسلحة خاصة الإسلامية منها مبدأ المشاركة وتحاول سحب البساط السياسي من تحت أقدام الائتلاف حتى لو لم يشارك . وبينما تقوم الأجهزة الرسمية في دمشق بجهد منسق في ما بينها ومع الأطراف الداعمة في طهران وموسكو،، فإن أطراف المعارضة تفتقد مثل هذا التنسيق، بل يقوم الأمر بينها على التنازع على التمثيل . وهذا التنازع من شأنه إفشال المؤتمر قبل أن ينعقد وتفويت الفرصة على حل سياسي جدي . على أن ذلك يبدو من المحذورات، فواقع الأمر أن واشنطن وموسكو هما عرابا المؤتمر تحت يافطة الأمم المتحدة، ولن تترك واشنطن لبعض اطراف المعارضة فرصة تعطيل المؤتمر قبل أن يعقد .

وإذا كان مقدراً مع أغلب الترجيحات ان يعقد المؤتمر مع نهاية نوفمبر المقبل، فإن الأسابيع الخمسة المقبلة سوف تشهد ما لا يحصى من مناورات اقليمية ودولية لتقرير وجهة المؤتمر والتأثير في نتائجه مسبقاً، وكذلك السعي لإحراز نتائج ليست من صميم أهداف المؤتمر، كتكريس التقارب الإيراني - الأمريكي، اذا ما قيض لطهران المشاركة في المؤتمر وهي التي لم تحضر ولم تدع إلى ldquo;جنيف -1rdquo; في يونيو/حزيران 2012 . أو مباركة تصفية المنشآت الكيماوية على الأرض السورية، واعتبارها عاملاً إيجابياً في تسهيل التوصل إلى حل سياسي . علماً أن هذه المسألة لم تكن في صلب اندلاع الأزمة .

هناك أيضاً توقعات بأن يتم التركيز على تنظيم القاعدة وبقية التنظيمات الإسلامية المتشددة والدعوة إلى مكافحتها، علما بأن ظهور هذه التنظيمات هو أحد عوارض الأزمة ونتائجها على الأرض، والتصدي لها مطلوب ولكن هذا الأمر غير ممكن سوى في سياق حل سياسي جدي، وليس خارجه وبمعزل عنه . وما ينطبق على هذه التنظيمات ينسحب على القوى الأخرى الوافدة من لبنان والعراق وإيران بغطاء رسمي من دمشق .

لقد تم استغلال الأشهر الأخيرة التي ارتفع فيها الحديث عن انعقاد ldquo;جنيف- 2rdquo; من أجل تحسين ميزان القوى على الأرض لدى الجانبين، وقد تبين أن هذا المسعى عقيم رغم إغراءاته المتعددة، وهو ما أقرّ به نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل، فكل انتصار من هذا النوع محفوف بالخراب والتدمير وسقوط الضحايا من المدنيين والعسكريين وارتفاع موجة التهجير، وهو ما لا يوفّر لأحد فرصة التثمير السياسي لأية إنجازات ميدانية . وقد وصلت الأزمة درجة من التعقيد باتت فيها الأطراف الداخلية عاجزة عن التقدم او التراجع نتيجة انسداد الأفق السياسي والانحياز إلى حلول صفرية . وقد أدى ذلك واقعياً وعملياً إلى تعظيم فرص التدخل الخارجي السياسي، ومن أجلى مظاهره كان الترتيب لانعقاد ldquo;جنيف- 2rdquo; وهو في الأصل ليس خيار النظام ولا المعارضة .

الخشية الآن أن يغرق جنيف في العموميات، من نوع دعم حل سياسي والشروع به في أقرب الآجال، دون تحديد مضمون هذا الحل وأطره وضماناته وجدوله الزمني، علماً بأن منطلق هذا الحل منصوص عليه في ldquo;جنيف -1rdquo; وفي مبادرة المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، ويقضي بتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، أو أن يغرق المؤتمر على العكس في التفاصيل والجزئيات من قبيل: من هو الطرف المؤهل لتمثيل المعارضة، أو من يحق له من أطراف النظام المشاركة، على خلفية رفض المعارضة مشاركة ldquo;من تلطخت أيديهم بالدماءrdquo; .

أجل سيكون لواشنطن وموسكو فرصة تقرير الكثير، لكن ذلك لا يقلل من دور الأطراف الاقليمية والدولية وكذلك من دور الأطراف السورية قبيل الانعقاد وخلاله من أجل وضع حل يضع حداً فعلياً للمحنة ويمنع عودة البيئة التي انتجت الأزمة، ولا يستبدل تسلطاً بتسلط آخر .