حازم صاغيّة
في حركة متخمة بالإيديولوجيا كجماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo;، يصعب احتمال هذا الإدقاع في النموذج والجاذبيّة. وإذا جاز تقبّل الاكتفاء بالعصر الذهبيّ للإسلام الأوّل نموذجاً لـ laquo;الإخوان المسلمينraquo;، فهذا ما لم يعد كافياً بعد الإمساك بسلطة هنا والاقتراب من سلطة هناك. ذاك أنّ المطلوب، والحال هذه، تقديم نموذج صغير يبرهن أنّ النموذج الأصليّ الكبير، كائناً ما كان تعقّله وتأويله، لا يزال صالحاً ليومنا هذا.
لقد بدا، مع ثورات laquo;الربيع العربيّraquo;، وما رافقها من انفجار في الحضور الإسلاميّ، أنّ تركيا laquo;العدالة والتنميةraquo; ستكون مصدراً لنموذج محتمل. هكذا تفاءل بعضنا بما يبدو اليوم على قدر كبير من التسرّع. وكان ما يحمل على اعتبار الأمر تسرّعاً أنّ التعويل على النموذج التركيّ كان يترافق مع تهاوي أحد أبرز أعمدته، أي نظريّة داوود أوغلو في تصفير المشاكل. لقد كان من المستحيل الإعجاب بتصفير المشاكل في عين اللحظة التي تتفجّر فيها المشاكل طالعة من تحت الأرض.
بعد ذاك كرّت السبحة سريعاً وإذا بتركيّا laquo;الإخوانيّةraquo; تبدي من علامات التصدّع، في ساحة laquo;تقسيمraquo; وسواها، ما ينزع عنها هذا الترشّح للمهمّة الجليلة.
وربّما جاز القول إنّ تهاوي النموذج، لدى الإسلاميّين العرب، لا laquo;الإخوانraquo; وحدهم، بدأ في السودان. فنظام عمر البشير الذي كسر الأرقام القياسيّة في الفشل على الأصعدة جميعاً، تحوّل، في غضون سنوات، من مفخرة laquo;إخوانيّةraquo; وإسلاميّة إلى موضوع للتنصّل، إن لم يكن الخجل. فالحركة الإسلاميّة السودانيّة نفسها انفجرت نصفين، بشيريّ وترابيّ، وما لبث الوطن السودانيّ ذاته أن انفجر، في ظلّ سلطتها، نصفين شماليّاً وجنوبيّاً.
في هذه الغضون كانت حركة laquo;حماسraquo; في قطاع غزّة تدلي بدلوها في فشل مطنطن آخر. وإلى بؤس إدارتها الداخليّة للقطاع، نراها اليوم تقدّم لوحة باهرة عن الارتباك والتعثّر في سياساتها وتحالفاتها الإقليميّة.
ومن دون أن تبرّر سياسات محمّد مرسي وraquo;الإخوانraquo; المصريّين الانقلابَ العسكريّ عليهم، فإنّ تلك السياسات بدت أقرب إلى حماقات تعجز عن فهم ألفباء السياسة وإدارة الدولة وحدود التفويض الديموقراطيّ. وبدل أن تتحوّل تجربتهم، خصوصاً أنّها تنطلق من مصر، قدوةً لـ laquo;إخوانraquo; البلدان الأخرى، تحوّلت بدورها عبئاً على هؤلاء الأخيرين.
أمّا laquo;إخوانraquo; تونس فلا يزال يبدو أنّ وعيهم للأزمة يقلّ كثيراً عن حجم الأزمة نفسها، وأنّ أيّ عبور تونسيّ إلى الاستقرار والتوطّد السياسيّ سيكون مرهوناً بخسارة إخوان laquo;النهضةraquo; بعض سلطتهم، وبالتأكيد ليس بتعميم نموذجهم البائس غير القابل التعميم.
هكذا يبدو laquo;الإخوانraquo; اليوم وكأنّهم وصلوا، بسرعة قياسيّة، إلى ما وصل إليه قوميّو سوريّة والعراق، حين أفلسوا تماماً واستقرّوا على النموذج الكابوسيّ للبعث الأسديّ والصدّاميّ، بعدما حال أنور السادات، بنزعه الناصريّة، دون انحطاط مماثل يصيب قوميّي مصر.
فلا نموذج إسلاميّ إذاً، ولا نموذج ديموقراطيّ ليبراليّ طبعاً، ولا نموذج من أيّ صنف. وهذا خبر سيّء لنا جميعاً، لا لـ laquo;الإخوانraquo; والإسلاميّين وحدهم، تشتغل بشاعته على مساحة واسعة تمتدّ من خريف الأنظمة إلى ربيع الثورات.
التعليقات