الياس الديري

تعالوا نلقي نظرة على وضع المنطقة العربية المنكوبة والمنكودة الحظ، ولتكن انطلاقاً من لبنان الذي لا يختلف بؤس حاله عن حال طائر فقد جناحيه، ويكاد يفقد مبرر وجوده...

نثرثر تحليلات وآراء وأفكاراً أكلت عليها التطورات العاصفة، وشرب الدهر، وشهد الدمار. ذلك أن الثرثرة فوق نهر بيروت، المقزّز للنفس، ليست كالثرثرة فوق النيل التي أحببناها بيراعة نجيب محفوظ، ومرصّعة بغضبة مشهودة من جمال عبد الناصر.
على هذا الأساس نبدأ جولتنا من البلدان التي زارها quot;الربيع العربيquot; أو quot;الخريف الإخوانيquot; لا من لبنان الأخضر الحلو ذاك، الذي حوّلته شهوات بعض أطرافه وزعمائه الى ما يشبه الغابات المهجورة... وخصوصاً بعد زجّه في حروب متواصلة.
وقد تكون بغداد هي الأقدم في اللائحة الدمويّة بعدما قرّر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش تقمّص دور نجم الكابوي جون واين، والانقضاض على صدام حسين ونظامه.
وفي الطريق الى هذا الهدف، والى ذريعة quot;الأسلحة الذريةquot; والمصانع والمختبرات النوويّة، دمّر جيش الكاوبوي كل التاريخ العراقي الممتد الى سبعة آلاف عام، ولا يزال الايقاع التدميري مستمراً. يومياً هناك لائحة بعشرات السيارات المفخّخة والعمليات الانتحاريّة. ولكن على من تطرح الصوت بغداد وليس في الأفق ما ينافس صورة quot;التقسيم الواقعيquot;؟
وقد يكون التقسيم هو الهدف الخفي الذي من أجله طحش quot;الأخوانquot; على الربيع في كل محطاته، وبدعم من البيت الأبيض...
أما بالنسبة الى مصر التي رجعت الى المربّع الأول، والى الميادين والساحات، فإنها تواجه مشروع حرب أهلية، قد تؤدي بمفاعيلها وذيولها الى النتيجة ذاتها، والموّال ذاته: التقسيم.
على الأقل، هذا ما توحي به المواجهة المستمرة، والتصعيد الإخواني، الذي تلقّى quot;تشجيعاًquot; غير مباشر من أوباما عندما أعلن معاقبته لثورة الثلاثين مليوناً، وإلغاء quot;المساعدات العينيّةquot; للقاهرة.
في محنة مصر، كما في محنة العراق، كذلك في محنة سوريا، ومحنة quot;الأخ الأصغرquot; لبنان، تقول الصحف الأميركية والفرنسيّة في تحليلاتها إن الدور الحقيقي والفعّال هو ذاك الذي تتقلده إيران، بكل ما مَلَكت من قوى ووسائل وملايين، إضافة الى الاحتياط العسكري الكبير الذي يمثله quot;حزب اللهquot;.
من هذه الزاوية، رأت جريدة quot;النيويورك تايمسquot; أن تذكّر أميركا بسذاجتها في تجارب متعددة، راهنة وسابقة، كانت فيها متقمّصة شخصية الزوج المخدوع.
يبقى على quot;لائحة الثرثرةquot; إياها الإسم الأبرز في quot;الربيع العربيquot; الذي التهمه الإخوان قبل نضج طبخته. فحالها كحال مصر quot;إخوانياًquot;. ثم حكاية ليبيا التي quot;وزعتهاquot; الجغرافيا قبل السياسة، ليليها اليمن السعيد مباشرة.
وقد ينضم السودان والمزيد من quot;الأعضاءquot; الجدد الى لائحة quot;الشرق الأوسط الجديدquot;، الذي لا يزال مشروع ثرثرة فوق النيل.