فاتح عبدالسلام


اتبعت تركيا سياسة تصفير المشاكل مع الجيران وجاهر بهذه السياسة رجب طيب ارد وغان في معظم خطاباته التي تلاقي أحيانا اهتماما كبيرا في العالم العربي. غير ان الأمر كله لا يعدو عن كونه أمنيات طيبة رسمتها أنقرة في طريق سياستها الخارجية للتفرغ لمهمات أكبر، حيث ان الواقع يقول أشياء كثيرة لا تسر تركيا مما يجعل سياسة صفر مشكلة نظرية غالبا، ذلك ان الآخرين لديهم مشكلات مع تركيا ويرون أنها لا تحل بالامنيات.
أبرز اهتمامات تركيا في الجوار تنصب منذ سنوات على العراق وسوريا. وقد نجحت العلاقات بين إقليم كردستان العراق وتركيا على نحو ربما لم يكن متوقعا وصار الملف الأمني الأكثر أهمية لانقرة بخصوص حزب العمال الكردستاني المحظور لديها يناقش مع أكراد العراق بما يؤمن الانتقال الى صفحة السلام عبر تفاهمات تتجاوز أية عقدة قومية مستعصية لعقود. وبقيت العلاقة مع الحكومة المركزية ببغداد تعاني من انتكاسات في تصعيد قوي كانت تركيا تعرف أنها طرف يمتلك الأوراق الأقوى فيه من الوضع التجاري الى ملف المياه، وربما ظنت حكومة بغداد أنها ترضي ايران وتنتقم من طرف داخلي في ذلك التصعيد ضمن إحدى القراءات الناقصة التي اعتادت عليها معطيات الأمور السياسية في العراق منذ فترة الاحتلال الامريكي وما أعقبها أيضاً.


سوريا أضيفت مشكلة مشتركة بين بغداد وأنقرة بسبب تباين وجهتي النظر إزاء الحلول الممكنة لإنهاء الصراع الدموي هناك. ولان الجغرافيا لها أحكام نافذة سياسيا فان التقارب التركي العراقي هو انتقالة في الوعي السياسي من مرحلة الأمنيات الى تصفير المشكلات على نحو عملي. ولعل ما يملكه وزير الخارجية العراقي هوشيآر زيباري من تفهم لمتغيرات السياسة الإقليمية وثوابها لاسيما فيما يخص تركيا يمكن ان يكون المعبر المناسب للازمة التي لا طعم لها بين العراق وتركيا سوى ما توهم بعض السياسيين في ان ما يلوكونه في أفواههم له طعم.
المصالحة بين العراق وتركيا اما ان تتم بجدية او ان تأتي تطورات الأزمة السورية الغامضة بالوبال على البلدين اللذين لهما مصالح مشتركة طالما تأخرت استحقاقاتها بسبب نزق الحكومات.