سركيس نعوم

قال رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الامير بندر بن سلطان أخيراً، في أثناء لقاء مع عدد من الديبلوماسيين الاوروبيين، ان بلاده يمكن ان تنفّذ نقلة سياسية مهمة جداً تبعدها عن الولايات المتحدة التي ترتبط معها بعلاقات تحالفية وثيقة منذ خمسينات القرن الماضي، وذلك جرّاء عدم قيامها بأي عمل جدي يوقف مجازر النظام السوري ضد شعبه، وجرّاء عدم ممارستها الضغط اللازم على اسرائيل لتسوية قضية فلسطين على نحو عادل، واخيراً جرّاء التقارب مع ايران رغم معرفتها خطرها الكبير على حلفائها العرب وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية. طبعاً لم يأت هذا الكلام في إطار تصريح او موقف رسمي نقلته وسائل الاعلام. بل سُرِّب إليها. والمهم في هذا الموضوع ان أحداً في المملكة لم ينفه وكذلك من الاوروبيين الذين سمعوه الأمر الذي جعل صحته غير مشكوك فيها. إلا أن الإدارة الأميركية لم تعلّق على هذا الموقف السعودي رغم طابعه الانتقادي القاسي، ورغم مضاعفاته في المنطقة، مما دفع الكثيرين في العالم العربي كما في واشنطن إلى التساؤل عن أسباب امتناعها عن التعليق أو عن الرد.
هل من جواب عن تساؤل كهذا؟
لا جواب رسمياً عن ذلك، بل أجوبة تحليلية يقدمها باحثون متابعون عادة للعلاقة الأميركية ndash; العربية واستطراداً السعودية. أولها، يعتبر أن عدم صدور الكلام عن الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصياً يعني أن لا قرار نهائياً في موضوع علاقة بلاده بأميركا. علماً ان ذلك لا يقلِّل من أهميته، ومن ضرورة العمل لاستكشاف أبعاده وخلفياته ومراميه، وخصوصاً ان قائله هو أحد أصحاب الأوزان الثقيلة في التركيبة السعودية الحاكمة راهناً. وثانيها، هو الميول الواضحة للأمير بندر إلى الحزب الجمهوري الأميركي، فضلاً عن وثوقه المبالع فيه بالنفس. وثالثها، هو تثمين الإدارة الأميركية للتعاون الكبير بين الرياض وواشنطن على مدى عقود الذي كان مفيداً للدولتين. أما رابع الأجوبة، واكثرها خطورة ربما، فقد جاء على شكل سؤال هو الآتي: كيف تستطيع واشنطن ان تخشى نقلة رئيسية في السياسة السعودية في وقت لا ترى المملكة العربية السعودية حليفاً بديلاً من أميركا، كما لا ترى دولة أو مجموعة دول قادرة على الحلول مكان أميركا في العلاقة معها. والتلويح بالبديل الروسي او بالبديل الصيني ليس له معنى على الاطلاق. ولعل رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل اسابيع، على المبادرة السعودية التي نقلها الأمير بندر بن سلطان اليه، وهي قد تكون مبادرة خاصة به، يؤكد صحة هذا الجواب الرابع. فسياسات الدولتين الكبريين المذكورتين في الشرق الأوسط تؤذي السعوديين أكثر من سياسات أميركا. وهم يعرفون ذلك جيداً. كما ان لا معنى لنقل السعودية تحالفها الدولي الى اوروبا بدلاً من أميركا. ذلك أن دولها وخصوصاً التي منها كبرى ضعيفة، ولا تستطيع تلبية طلبات او طموحات المملكة التي شكت أساساً من عدم تلبية أميركا لها. ويعرف الجميع وفي مقدمهم السعودية هذه الحقيقة. أما توجه السعودية نحو الدول العربية لإقامة رابط جدي وثابت معها لمواجهة التحديات القائمة ولحماية انفسها وأنظمتها، وخصوصاً بعد اليأس من أميركا، فانه في غير محله وهو لا يوفر بديلاً استراتيجياً للمملكة. فهذه الدول مختلفة كثيراً بعضها عن بعض في الكثير من الأمور، ربما باستثناء الحكم المطلق، ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان تخيُّل نجاحها في تأسيس تحالف عاجل قادر على الفعل. وهذه حقيقة تعرفها الرياض. إلا أن الأجوبة المفصّلة أعلاه كلها وعلى أهميتها يجب أن لا تدفع الإدارة الأميركية إلى الإقتناع بأن السعودية ودولاً عربية أخرى صارت quot;عالقةquot; مع أميركا ولا تمتلك أي بديل منها. إذ تبقى قادرة على الإقدام على خيارات أخرى رغم الأخطار التي قد يرتبها عليها ذلك ربما، ورغم إمكانات الأذى بل الدمار التي قد يحملها لها ذلك.


ما هي الأسباب الفعلية للغضب السعودي على أميركا أوباما؟
أحد ابرز الأسباب هو غياب أي استراتيجيا شرق أوسطية واضحة عند الرئيس أوباما، وهو أيضاً عدم فهم السعودية والدول العربية الأخرى السياسة الشرق الأوسطية التي يمارسها. ولا يعني ذلك ان تردُّد أوباما ولامبالاته حيال ما يجري في سوريا، وعدم فاعليته فلسطينياً - اسرائيلياً، واتجاهه نحو ايران ليسوا أسباباً حقيقية للغضب المذكور أعلاه. بل يعني اضافة الى كل ذلك ان الأنظمة العربية الحليفة لأميركا تخشى فعلاً ان يكون رئيس أميركا مقتنعاً بأن quot;الربيع العربيquot; سيوصل المنطقة الى الديموقراطية. فهو سيوصلها وعلى نحو ما ظهر حتى الآن الى أنظمة إسلامية متشددة ومتعصّبة تطيح الأنظمة الحالية. فهل ذلك في مصلحة أميركا؟