فاتح عبدالسلام


اشتبه شرطي الحراسة في نقطة تفتيش في إحدى المدن العراقية بسيارة وسائقها، فاوقفه وكان خلفه طابور طويل من السيارات التي تنتظر التفتيش. طلب الشرطي من السائق ان يترجل لتفتيش السيارة .
ضحك السائق قائلا لا وقت لدي افتح الطريق ودعني أمر.
غضب الشرطي وأراد إنزاله عنوة كما يفعل أي شرطي في نقطة تفتيش، فقال السائق ببساطة وهو يمد الى الشرطي بيده الممسكة هاتفا صغيرا وقال السيارة مفخخة ولك خياران أما ان تدعني أمر الى وجهتي او اضغط على الكبسة اللحظة وأفجر المكان معك هنا. أجبني اللحظة من دون تأخير ولا تتحرك قيد انملة لأنني ساضغط فورا.
نظر الشرطي الى طابور السيارات الطويل وتخيل المجزرة التي سيكون هو اول وقودها واختار ببساطة ان يكون المجزرة مكان آخر يذهب اليه سائق السيارة المفخمة وهذا ما حصل فعلا. قال له اذهب .
هذه حكاية من الواقع تفسر جانبا واحدا من الغموض الذي يكتنف عبارة يرددها الإعلام غالبا بعد التفجيرات بالقول ان السيارة المفخخة مرت من نقاط التفتيش ولم تكتشف .
هذا ليس تبريرا لشيء. لكن الأوضاع في العراق لا تخضع لمنطق من يعيش خارجه. الموت والحياة في ثياب السخرية المرة، الكوميديا السوداء.
الشرطي يرى الفساد فوقه أكواما ولا يضمن ان يكون هو نفسه في تلك اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت ضحية خرق كبير في أعلى الهرم إذا تصرف خارج منطق رد فعل النجاة بالنفس والتفكير بالسلامة الشخصية والعائلية قبل سلامة الآخرين.
رجل الأمن يتصرف كموظف يرى الخراب الكبير يعم الدوائر كلها وليس بأيديهم فعل شيء سوى النجاة بالنفس.
لعل هذا الشرطي أنقذ حياة عشرات الأشخاص الذين كانوا يحيطون بالسيارة المفخخة وترك لها خيار ان تمر بعا عنهم في حين قد لا يتاح هذا الخيار لسواه في بلد فاسد في هياكله الرسمية والسياسية بكل معنى الكلمة من نتانة ووضاعة وخسة ورشوة.
هناك قتلة من بين نخبة السياسيين ولا يفكرون بمن سيموت من دون ذنب في انفجار قنبلة ضد شخص محدد. لكن هذا الشرطي في لحظة فساده هو بطل قياسا الى سياسي فاسد يتشدق بالشعارات الاسلامية في ربوع المنطقة الخضراء.