الياس حرفوش

هذا أسبوع اختبار لما ستنتهي اليه مغامرة الغزل التي بدأت بين واشنطن وطهران، منذ استمات العاشق الملوّع باراك اوباما للحصول على تلك الفرصة التاريخية التي اتاحت له حديثاً هاتفياً مع رئيس إيران الموصوف بـ laquo;المعتدلraquo;، حسن روحاني.

بدأ الاسبوع أمس بمناسبة الاحتفال بالذكرى الرابعة والثلاثين لاحتلال laquo;وكر الجواسيسraquo;، الذي كان يدعى قبل 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 1979، السفارة الاميركية في طهران. 52 ديبلوماسياً وموظفاً في تلك السفارة تم احتجازهم على مدى 444 يوماً. الناطقة باسم اولئك الذين احتلوا السفارة من دون اي اعتبار لمسؤولية طهران عن حماية تلك البعثة الديبلوماسية لم تكن سوى معصومة ابتكار، التي أصبحت اليوم من أبرز مساعدي روحاني والمقربين منه.

كان أمس فرصة لإثبات حسن نية الإيرانيين للتجاوب مع ما بات يوصف بالمناخ الجديد في علاقات البلدين. بدلاً من ذلك، تقول التقارير الصحافية إن الحشود التي اجتمعت تهتف laquo;الموت لاميركاraquo; أمام المبنى السابق للسفارة الاميركية كانت الأكبر منذ سنوات. بينما أكد رئيس لجنة الأمن الوطني في مجلس الشورى علاء الدين بوروجوردي في حديث عبر التلفزيون الحكومي ان هذا الشعار هو أبسط رد على الهيمنة الأميركية.

يأتي كل هذا في إطار التفاوض المستمر بين البلدين في جنيف حول الملف النووي والذي ستعقد الجولة التالية منه بعد غد الخميس. المرشد الايراني علي خامنئي استبق الجولة بالإعلان انه ليس متفائلاً بنتيجة المحادثات مع الأميركيين، ولكنه مستعد لاعطاء المفاوضين فرصة. وبعد ساعات تبعه حسن روحاني ليكرر الكلمات نفسها، مضيفاً laquo;ان ذلك لا يعني انه لا يجب التسلح بالأمل لتسوية المشكلاتraquo;.

والسؤال هنا: لماذا التشكيك الإيراني في نجاح المفاوضات، إذا كان الإيرانيون مقتنعين، كما قال نائب وزير الخارجية والمفاوض في الملف النووي عباس عراقجي، laquo;ان هناك تغييراً ايجابياً في لهجة الطرف الآخرraquo;؟

الجواب بوضوح وبساطة: لأن إيران ليست مستعدة للالتزام بالشروط التي يقتضيها التوصل الى اتفاق يقنع العالم أنها جادة في إثبات أن برنامجها النووي سلمي. إيران تدرك رغبة اوباما في التوصل الى تسوية معها. لذلك هي مستعدة لممارسة لعبة كسب الوقت. وتسعى للحصول على الشق الذي يفيدها من الاتفاق، أي رفع العقوبات التي تلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد الإيراني وتؤثر على صدقية النظام وشعبيته، وقد تكون هي الفتيل الذي سيشعل انقلاباً شعبياً عليه. وتراهن طهران في ذلك على حرص الرئيس الاميركي على عدم الدخول في اي مواجهة مع أي كان، لإثبات جدية القرار الأميركي، حتى لو كان هذا التراجع يضر بسمعة اميركا وبعلاقاتها الإقليمية.

ولأن طهران باتت تدرك حقيقة المعدن الرخو الذي تتشكل منه عضلات باراك اوباما، فهي تجد نفسها في موقع يسمح لها باستغلال التراجع الداخلي غير المسبوق في شعبية الرئيس الاميركي، لتعرض عليه صفقة تعزز وضعه الهزيل. هذا ما شرحه رئيس الأركان الإيراني الجنرال حسن فيروز آبادي الذي تحدث عن laquo;الديبلوماسية العقلانيةraquo; لإيران، واعتبر انها تشكل ورقة رابحة في يد اوباما. أضاف آبادي في حرص غير مسبوق على laquo;انقاذraquo; رئيس الدولة الموصوفة بـ laquo;الشيطان الأكبرraquo;: هذه فرصة تاريخية كبرى، على الادارة الاميركية الامتناع عن التفريط بها... المعارضون في داخل اميركا لا يرغبون في استفادة اوباما من هذه الورقة الرابحة في العلاقات الداخلية والدولية. لكن عليه إنقاذ نفسه من الاستسلام امام خصومه.

إيران تنقذ باراك اوباما من ... خصومه. هذا ما انتهى اليه وضع الولايات المتحدة في ظل رئيسها الرابع والاربعين. قد تكون مناسبة للنحيب لما آلت اليه أحوال الدولة العظمى. لكنها يمكن ان تكون ايضاً درساً في مخاطر الاعتماد على صداقة هذه الدولة العظمى. ولا مانع ان يكون الدرس هذه المرة على لسان علي خامنئي: اي شعب أو دولة وضعت ثقتها في اميركا تلقت ضربة منها ولو كانت من أصدقائها.

وقديماً قيل: ربي نجّني من أصدقائي...