خليل حسين

شكّل اعتذار المملكة العربية السعودية عن عضوية مجلس الأمن الدولي جملة تساؤلات من بينها، هوية الشاغل المحتمل لهذا المقعد . ففي المبدأ انتخبت المملكة كمرشحة عن احد المقعدين عن القارة الآسيوية وفي الوقت نفسه كممثل رمزي للدول العربية، فهل يكون البديل المحتمل واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي؟ وإذا كان الأمر كذلك ما هي مواصفات الدولة التي يمكن أن تملأ هذا المقعد ولا تشكل حساسية للرياض؟

ثمة جوانب عديدة غير معلنة يمكن الأخذ بها عند ترشيح دولة ما لعضوية مجلس الأمن، ومن بينها الموقع الجيوسياسي وأثره القاري والإقليمي وتمثيله الحضاري بمختلف جوانبه، علاوة على خصوصيات إقليمية محددة من بينها القدرة على إيجاد توازنات سياسية دقيقة في جوارها الإقليمي حتى ولو كانت محاطة بخصوم أو أعداء أقوياء إضافة إلى الرغبة في أن تكون متميزة في مواقفها تجاه قضايا ومسائل استراتيجية إقليمية ودولية مطروحة في مجلس الأمن .

ورغم التشابه وحتى التطابق في بعض أوجه وسمات دول مجلس التعاون الخليجي لجهة الخصائص الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، إلا أن ثمة بعض التمايز لبعض دولها، لجهة ظروفها وعلاقاتها الخاصة بجوارها الجغرافي العربي وغير العربي، وهنا تبرز دولة الكويت كخيار قابل للبناء عليه .

فالكويت ذات المكانة الجيوسياسية الدقيقة الواقعة بين ثلاث دول إقليمية كبرى السعودية والعراق وإيران، شكلت مفترق طرق في الجغرافيا والتاريخ لمنطقة من اشد المناطق الخليجية حساسية لجهة المتطلبات التي ينبغي توافرها للحفاظ على توازنات دقيقة قابلة للتعديل والتغيير عند كل ضغط إقليمي أو دولي كبيراً كان أم صغيراً . وربما التجربة الأكثر سطوعاً في هذا المجال ما نالته الكويت مثلاً في العام 1990 عند احتلالها من قبل العراق إبان حكم الرئيس صدام حسين، من دعم دولي مهول لإعادة تحريرها وفي وقت يعتبر قياسياً في تاريخ تحرير الدول من غازيها .

الجانب الآخر من هذا الموضوع الثقل النفطي الذي تتمتع به دولة الكويت، فهي تتربع على خامس احتياطي نفطي في العالم، علاوة على تنويع مصادر الاستثمار الداخلي والخارجي لهذا الاحتياط، مقروناً بتوازن تصديره، علاوة على الفعالية اللافتة لاستثماراته الداخلية في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية منها والمترجمة بالحراك الدائم في مجال تداول السلطات وبخاصة الانتخابية منها .

وبالنظر إلى خصوصية المكوّن الاجتماعي الكويتي، تبدو الكويت اليوم ضرورة من ضرورات السياسات الخليجية على المستويين الإقليمي والدولي، وبالتالي تعزيز فرصها لشغل مقعد مجلس الأمن باعتبارها من الدول التي حافظت على منسوب مرتفع في حرارة العلاقات مع دول غير عربية في المنطقة، كما تمكنت من هضم وتجاوز أغلبية تداعيات وآثار احتلالها ونسجت علاقات طبيعية مع العراق، البلد الذي شكّل مأزقاً وجودياً بالنسبة إليها في بعض تاريخها السياسي الحديث .

وفي جوانب علاقات الكويت الخليجية، تبدو الكويت اليوم كما الأمس الأقرب إلى الرياض ليس بالنظر لما يجمعهما من حدود مشتركة، بل للروابط التي جمعت الطرفين إبان احتلالها . فالكويت انتقلت حكومة وشعباً ومؤسسات إلى الرياض ومارست كامل سيادتها تقريباً من هناك، ما يعزز أيضاً فرص رضا الرياض عن انتخابها عضواً في مجلس الأمن . إضافة إلى ذلك أن وجود الكويت في مجلس الأمن يعطي هامشاً مريحاً للرياض في إدارة الملفات التي تعنيها مباشرة في المنطقة، بالنظر إلى إمكانية الدور الذي يمكن أن تلعبه الكويت في تقريب وجهات النظر المتباينة بين دول الإقليم حول ملفات ساخنة تدور رحاها حالياً، وتستلزم مزيداً من الجهد من دول تعتبر محايدة فيها كالكويت .

إن التدقيق في التاريخ السياسي لدولة الكويت ولسياساتها الخارجية في الملفات الحساسة، يعطيها دفعاً قوياً لإحداث تركيبات تصويتية في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن لانتخابها عضواً غير دائم في هذا الأخير، إضافة إلى ذلك أن عضوية الكويت في المجلس ليست سابقة دولية في تاريخها السياسي، إذ سبق وأن شغلت هذا المركز في العام ،1978 وهي الفترة التي شهدت أحداثاً مؤثرة في المنطقة، منها احتلال ldquo;إسرائيلrdquo; لجزء من جنوب لبنان ودورها في صدور القرار 425 الداعي للانسحاب ldquo;الإسرائيليrdquo;، إضافة إلى وصول الثورة الإسلامية في إيران، وما شكّلت من تداعيات على العلاقات العربية وغير العربية والخليجية بخاصة . فهل أن مجمل هذه الوقائع سيحدد رديف الرياض في مجلس الأمن؟ يبدو أن حظوظاً كويتية تسير في هذا الاتجاه .