سركيس نعوم

محاولات التوفيق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية كثيرة. لكن ما يتحدث عنه متابعو العلاقة بينهما ومن قرب يشير إلى محاولات قليلة بعضها مباشر وبعضها الآخر غير مباشر. إحدى المحاولات قامت بها جهة عراقية هي quot;المجلس الإسلامي الأعلىquot;. إذ قام زعيمه أو رئيسه السيد عمّار الحكيم بجولة عربية كانت أهم محطاتها وأبرزها المملكة. وفي المحادثات التي أجراها مع قادتها ركّز على أن العراق العربي بسنّته وشيعته يحتاج إلى انفتاح الدول العربية عليه وفي مقدمها السعودية، لأن من شأن ذلك المساعدة على تخفيف التوتّر المذهبي بين العراقيين، وتالياً على إبعادهم عن الحرب الأهلية الدامية جداً على رغم تقطُّعها. كما من شأنه المحافظة على وحدة العراق، وعلى الاستقرار الأمني فيه، وعلى الأمن السعودي الذي يعتبر المسؤولون عنه أن العراق هو الذي يهدِّد بزعزعته جراء حروب quot;شعوبهquot;، وجراء النفوذ الإيراني الواسع جداً فيه. طبعاً استُقبل السيد الحكيم بكل احترام ومودة من القيادة السعودية التي استمعت إليه باهتمام كبير. لكن نتيجة عملية وإيجابية جراء quot;مبادرتهquot; إذا جازت تسميتها كذلك لم تتحقَّق. ولم يتحدَّث أحد عن أسباب ذلك. لكن معلومات المتابعين أنفسهم أشارت إلى سبب واحد لـquot;الإخفاقquot;. أولهما شكُّ المملكة في النيات الحقيقية للعراقيين وخصوصاً الشيعة منهم على رغم تباين خطابهم السياسي، وخوفها أن تكون إيران تستعمل quot;معتدليquot; العراق بغية تهدئة مخاوفها، ولكن من دون أن تعدّل شيئاً في مخططاتها واستراتيجيتها وطموحاتها quot;التوسعيةquot;. وهذان الشكّ والخوف ناجمان عن معرفة المملكة بحقيقة الأوضاع داخل العراق. فالسعودية تبقى دولة إقليمية كبرى ومهمة على رغم الاختلال في الميزان العسكري بينها وبين إيران، ولها أو لأجهزتها الفاعلة في العراق وجود وحلفاء. والمعلومات التي تجمّعت عندها أكدت لها أن quot;عدوَّهاquot; الإيراني أنجز تغلغله داخل المكوّن الشيعي للشعب العراقي بكل اتجاهاته وأحزابه وحركاته وتياراته وشخصياته. واستعمل لتحقيق ذلك الحماية التي وفّرها للمكوّن المذكور في اثناء الاستبداد الطويل لنظام الراحل صدام حسين، والدعم الذي قدَّمه له بعد إطاحة الأخير، والذي يجعله أقرب من المكوّنات الأخرى إلى الهيمنة على البلاد بسبب تفوقه العددي. كما أكَّدت لها وجود نوع من التعامل السنّي والكردي العراقي مع إيران الذي أثمر في رأيها تعاوناً quot;إرهابياًquot; داخل العراق وفي الخليج كما في سوريا ولبنان. إلى ذلك قام السيد عمار الحكيم بـquot;مبادرةquot; أخرى في الاتجاه نفسه ولكن في صورة غير مباشرة، إذ عملت مجموعته مع quot;حركة الوفاقquot; الشيعية البحرانية المعارضة لـquot;الحكم السنّيquot; لأسباب ديموقراطية ظاهرة وإخرى مذهبية مستترة. وتوصلت معها إلى حل متكامل للأزمة في البحرين يجنّبها عدم استقرار سياسي ولاحقاً أمني، ويبقيها بعيدة من الصراع الاقليمي الخطير وتحديداً السعودي ndash; الإيراني. لكن السعودية رفضت هذا الحل، يقول المتابعون أنفسهم، أو بالأحرى قالت إن الوقت غير مناسب له.
طبعاً جرت محاولة توفيقية أخرى بين الرياض وطهران، ولكن الجهة القائمة بها كانت مسلمة غير عربية، وهي دولة باكستان، التي تربطها بالمملكة علاقات تعاون وتنسيق وربما تحالف غير رسمي وثيقة جداً، في quot;عهدquot; رئيس جمهوريتها السابق آصف علي زرداري. وكان هدف المحاولة جمع مسؤولين كبار من الدولتين ومساعدتهما على إطلاق حوار جدي يطبّع علاقتهما. وافق المسؤولون على المبادرة أو الوساطة. لكن إيران طلبت أن تستضيف هي الاجتماع. فرفضت المملكة ذلك مصرّة على أن تكون هي المستضيفة له. هنا حاولت باكستان حل الخلاف باقتراح استضافتها هي للقاء. فوافقت طهران على ذلك. لكن السعودية رفضته وطبعاً quot;فرطتquot; الوساطة. وقد يكون لـquot;انفراطquot; زيارة الرئيس الإيراني الجديد الشيخ حسن روحاني للمملكة لمناسبة الحج قبل أسابيع علاقة ما بفشل الوساطة المشار إليها. فالمسؤولون الإيرانيون قالوا إنهم لبّوا أكثر من مرة دعوات لزملائهم السعوديين وزاروهم في بلادهم. وعلى هؤلاء أن يبدوا حسن نية مماثلاً. ويعكس ذلك طبعاً عمق الخلاف الذي تحوّل عداء بين الدولتين.
كيف سيؤثر ذلك على أوضاع السعودية وإيران في ضوء الخلاف المستجد بين الأولى وأميركا والحوار المستجد بين الثانية وأميركا؟